لـ عائشة محمود
لا يوجد مخرج من الأفكار التي تلازمك بشكلٍ أزلي ومستمر منذ لحظة خروجك إلى هذه الحياة. تبدأ في التمعن من حولك، فتنسج في خيالك الخاص الكثير من الأفكار التي تتفاعل معها، لتتكوّن لديك الصورة شيئًا فشيئًا عن هذا العالم حتى وإن كنت حبيسَ المحيط الصغير الذي لا يتعدى عتبة بيتك، صورة حقيقة أو مغلوطة.
لا تنفك تلك الأفكار عن الانقضاض عليك، لا نهارًا ولا ليلًا حتى أنها تأتي في أحلامك بينما أنت غارق في سبات عميق، تلازمك مثل نبضات قلبك. إنها أنت وأنت هي الأفكار، فنحن عبارة عن مجموعة أفكار تشكلت لتصنع ما نحن عليه الآن، لا يهم إن كانت سلبية أو ايجابية، الأهم من ذلك أنها جزء من كيانك.
إنها المدخلات التي نجذبها من محيطنا، ولكن ليس لها مخرجات، فقط تتفاقم مع مرور السنين. منها ما يترك ندوبًا في قلبك ومنها ما يذوب فيك، لكنها سوف تظل مخزونة في عقولنا حتى يحين موعد الرحيل.
تلك الأفكار تُشّكلنا، تُشبه العجينة التي نضيف لها المكونات لتعطي لنا الشكل النهائي، ولكن أتعلم ما الغريب في الأمر؟ أننا لا نعرف كيف يصبح الشكل النهائي، لأننا نجمع المقادير ونضيفها فقط دون بصيرة منا وأن كل ما نعلمه هو أننا نستقبل ونضيف المزيد من الكميات دون إدراك أو وعي، وعلى الدوام نُضيف، في كل دقيقة تمضي هناك إضافة.
قد ترى البعض منا أصبح لديه المخزون ممتلئ، يستقبل فكرة تلو الأخرى ويستمتع وهو يضيف إلى مخزونه الكثير من الأفكار، ويرى أنها فرصة للحصول على حنكة ومتعة في وقت واحد، ويعلم جيدًا كيفية التحكم بها بمرونة وذكاء، لأنه يعي في نهاية الأمر أننا منذ ولادتنا ونحن نتعرض للكثير من الأحداث بغير رغبة منا، ولهذا السبب يستطيع أن يتعامل بمرونة مع كل ما يتعرض له من أحداث وأفكار.
وبعضنا الآخر شارد الذهن في عالمٍ آخر بالكاد يُمكنه أن يرى فكرة واحدة ويغلق على نفسه دائرة وينَاهز أن يرى فيه بصيص من النُّور يظن بذلك أنه قادر على أن يحمي نفسه من الأفكار، ولكن لا يعلم بأنه غارق في دوامة واحدة ويَنسج خَيال لا يُمد للحقيقة بصلة ويظّن بذلك أنه يمكن أن يعيش حياة طويلة وخالية من الأفكار السوداوية ولا يعلم بأنّه حَكم على نفسه حياة واحدة، وفكرة واحدة.
في نهاية المطاف تلك الأفكار هي ما تصنعنا الآن، وتجعلنا نمهر في مجابهة الكثير من التحديات، بإمكانها أن تجعلنا أقوياء أو ضعفاء. الأمر متروك لك، هي قادرة على أن تتشكل مع مرور السنين، ولكن القرار الأخير لك. أنت ماذا سوف تختار؟ ماذا يمكنك أن تصنع منها؟ وماذا يمكنك أن تضع في صندوق النسيان؟ وماذا يجب عليك أن تأخذ معك في رحلتك؟
جميعها أسئلة تساعدك على تكوين ما تريده حقًا. فالرحلة طويلة وشاقة وإذا قررت أن تحمل معك كل شيء سوف تهرم ولن تصل إلى نتيجة أو غاية تسمو بها في حياتك.
يجب علينا أن نأخذ الأمر بشكل متزن، فلا نبالغ في تخزين توافه الأمور ولا نترك الأشياء المهمة. فالأصل في حياة أي إنسان هو أن يكون قادرًا على رزانة الأمور وإلا سوف نسرف حتى في كمية الهواء التي نحتاجها.
ومعنى الاتزان هنا لا يعني ألا تغلب كفة الأخرى وألا نتبع الأفكار الضالة التي سوف تقضي علينا وألا نسمح للذكريات والتراكمات بالسيطرة على حالتنا المزاجية أو التحكم في المستقبل من خلال ربط الأحداث بأفكار سابقة.
نعلم جميعًا أنه ليس لدينا السُلطة على جميع الأفكار ومدخلات الحياة، ولكن لدينا القدرة على أن نغربل، فيما نود حقًا أن نأخذه معنا أو ننحاز عنه، والترك لا يعني أنه يجب علينا أن نَمحو كُل شيء بسهولة، فبعض الجروح تأخذ وقتها حتى تلتئم، فيتعين علينا أن نتصالح مع تلك الحقيقة التي نترك فيها الأمر للوقت إلى أن نتعافى.