قبل عام تقريبًا بدأت العمل مدونةً في إحدى الشركات الرائدة في صناعة المحتوى العربي، ثم أصبحت ضمن فريق إعداد نشراتها البريدية؛ لكن أحيانًا تنتهي الحكايا مهما كانت رائعة، وقد انتهت قصتي الجميلة مع عملي الذي أحببته وحلمت به طويلًا في ديسمبر الماضي، وخرجت منه محملة بخبرات وذكريات طيبة، أجريتُ بعدها مباشرة عملية جراحية، وعندما بدأت في التعافي قررت العودة للبحث عن عمل، لأُفاجىء في كل مقابلة عمل، وكل رد عبر البريد الإلكتروني على سيرتي الذاتية بأسف الشركات لعدم توظيفي، مع تكرار السبب في جملة (You Are Overqualified) ، أي أنني مرفوضة لأن قدراتي وخبراتي السابقة أعلى من متطلبات الوظيفة.
لا أنكر أني شعرتُ ببعض الإحباط؛ ففرط الخبرة ليس عيبًا يُرفض من أجله مَن يبحث عن عمل، ثم أنني على قناعة أن كل عمل مهمًا بدا بسيطًا لا بد وأن يُكسبنا خبرة اعتقدنا أننا نتقنها وأخذناها على محمل «المُسلّم به» ضمن خبراتنا، لمجرد أن مهامنا العملية التي اعتدناها تتطلب خبرات أعلى، لذلك أنا لا أُصدق كلمة (Overqualified) أبدًا.
في إحصائية عن من يتمتعون بفرط الخبرة في بلدان الاتحاد الأوروبي، الصادرة عام 2021، جاء معدل «مُفرطي الخبرة» من خريجي الجامعات الأوروبية بنسبة 23.6%، كان حدها الأدنى في لوكسمبرغ بنسبة 8%، بينما بلغت اليونان أعلى نسبة برقم 41.1%، أي تقريبًا نصف حاملي الشهادات الجامعية اليونانيين يشاركونني مشاعر الإحباط.
عندما بدأت في البحث عن سر الرفض بحجة «فرط الخبرة»، وجدت عدة أسباب مثل عوامل السن، وعرفتُ من بعض الصديقات ممن يعملن كموظفات موارد بشرية أن الرفض أحيانًا يأتي كنتيجة لضعف الراتب المخصص لتلك الوظيفة والذي قد لا يُلبي طموح المتقدم لها؛ خاصة إن كان راتبه السابق أعلى بكثير مما هو مطروح حاليًا، أحيانًا يأتي الرفض من اختلاف بيئة العمل بين المؤسستين ولو كانت المهام واحدة؛ كفارق العمل في شركة متعددة الجنسيات وشركة محلية، أو العمل عن بعد والعمل من مقر المؤسسة، هذا بجانب أن المنصب قد لا يُرضي خبرات المتقدم بفائض خبرة، ما يجعله لا يتبع التعليمات، أو يبحث عن عمل آخر يُرضي شغفه ويدفعه للإبداع ويساعده في صقل قدراته، أو على أقل تقدير قد يشعر مُفرط الخبرة بالملل في وظيفته ولا يؤديها بالشكل المطلوب، كونه سيشعر حتمًا في وقتٍ ما، بأنه طاقة كبيرة مسجونة في حيز تصرف صغير، استرجعت مروري بتلك الحالة في أوقات تطوعي في المكتبة بالذات؛ لذلك اعترفت في النهاية بوجود «فرط الخبرة» كعائق صغير يمكن التغلب عليه، وبدأت في البحث عن حلول.
في الواقع قرأت الكثير من المقالات عن كيفية التغلب على وصمة «فرط الخبرة» وكانت كلها تصب في جانب: لا تخجل من كونك مُفرط الخبرة، ومن تجربتي في التعافي من الإحباط نتيجة الرفض بسبب فرط الخبرة، وجدت أن له جانبًا طيبًا، فهو يُعلم الصبر ويورث اتساعًا، ويُجردنا من بعض اللاواقعي من أفكارنا التي تسللت إلينا وقت طمأنينة وجود وظيفة، وأكثر ما لامسته هو أنها تُعتبر فترة راحة بين عملين، بالطبع لو كنت هادئًا ولا تشعر بألم أنك لا تعمل، أو بحاجة مادية للوظيفة.
بعد أكثر من شهرين بلا عمل، منهم شهر ونصف الشهر أبحث فيه عن وظيفة توصلت لبعض تقنيات التعافي من إحباط أنني لا زلت لم أعثر على عمل.
انشغل
تبدو الكلمة مضحكة، لكنها الحل الأول؛ انشغل في هواية، أو في تدريب أو تطوع يزيدك خبرة وقد يكون بداية لعلاقات مهنية جديدة وطيبة، أو باب لفكرة عملية جديدة قد تُغير حياتك للأبد، انشغل في ترتيب غرفتك وجرد خزائنك، انشغل في مساعدة عائلتك أو العناية بنباتاتك أو إنشاء علاقة صداقة مع قط الشارع الأليف، انشغالك سيُسهم في رفع روحك المعنوية، وعدم استسلامك لدوامات التفكير السلبية، فدومًا في الحركة بركة.
ساعدني جدًا انشغالي في رسالتي للماجستير في الشعور باستمرارية القيمة، والنجاح، والشغف، وحتى الأمل؛ لدي ما انتظره إن لم أجد عملًا، على أقل تقدير: سأناقش رسالتي التي قد تؤهلني لعمل أفضل مما أحلم به.
لا تخجل من كونك خبير، وتحدث بشغف
لا تخفي خبراتك لتظهر أكثر تواضعًا لتقلل من نسب رفضك، بل تحدث عنها، وتحدث أيضًا عن حماسك لتولي هذه الوظيفة، وما الجوانب التي قد تصقلها فيك، والقدرات الإبداعية التي ستُخرجها تلك الوظيفة منك، واهتمامك الحقيقي بها، وما القيمة التي قد تُضيفها خبرتك للشركة. استعدادك للنقاش بحماس قد يُقنع مسؤولي التوظيف، وحديثك عن خبراتك التي قد تُفيد المؤسسة قد يجعلك جذابًا بعد أن كانت حظوظك في التوظيف أقل، والأهم أنه سيثير فيك مشاعر طيبة، قد تستمر معك لأيام حتى ولو انتهت المقابلة بعدم قبولك، لذلك ابحث عن المؤسسات التي قد تستفيد من خبراتك إن كنت مفرط الخبرة على وظائفها المطروحة.
وفي الواقع لي تجربة مُشابهة فحديثي بحماس عن خبراتي وما أنتظره من فرصة تطوعي في قطاع المكتبات، أقنع مسؤولة التطوع بإعادة النظر في ملفي وقبولي، بعد أن تسلمت منها رسالة رفض أنيقة (بأنني مفرطة الخبرة)، وقضيت عامًا رائعًا كموظف متطوع في مكتب الخدمات المرجعية في المكتبة.
اسأل ذوي الخبرة، وقم بتوصية أصدقائك
الجأ لأصدقائك من موظفي الموارد البشرية بالذات، فإما أن تجد عندهم حلولًا لمشكلتك، أو تجد لديهم فرصة عمل شاغرة، من نصيبك.
العمل رزق
والرزق كما يستدعي سعيك، يستدعي توكلك على الرازق وتسليمك بأقدار الله التي تأتي في أنسب أوقاتك وأكثرها جاهزية واستعدادًا، لذلك لا تبتئس إن تأخرتَ في العثور على وظيفة، حاول أن تنشغل بوظائف صغيرة، وأن تصقل مواهبك وقدراتك، واستمر في التقديم على الوظائف، وثق بالله، وسيرزقك.