الوعي مصطلح يتم تداوله بكثرة، وهو مصطلح ذو وزن ثقيل ومعنى عميق قد يفهمه البعض بشكل صحيح بينما يجهله البعض الآخر. فما هو الوعي؟ وهل له خريطة توصل إليه، ولوحات إرشادية يُستدّل بها؟

الوعي فُسر بمعاني كثيرة وتعددت الآراء حوله، لكنني أُعرفه بأنه حالة يقظة عقلية روحية وإدراك ذاتي. ما أن تُستثار شرارته الأولى في عقل الإنسان حتى ينطلق جرس إنذار وتبدأ حالة الاستنفار في حياته. يُعيد الإنسان ترتيب وتقييم دواخله، فالوعي حالة مستمرة تبدأ بشرارة اليقظة ولا تنتهي أبدًا. قد يُستثار الوعي نتيجة موقف، كلمة، أو تأمل عميق في الذات الداخلية.

مسارات الوعي

الوعي له مسارات، وكل مسار له خريطة توصل إليه، ولا تُصنع هذه الخريطة بواسطة شخص آخر، بل هي من صنع ذات الإنسان نفسه. لا أحد يعرف خفايا روحه وطرقها الكامنة سواه. تتنوع مسارات الوعي لتشمل عدة مجالات مثل: الوعي بالأفكار، الوعي بالنوايا، الوعي بالصحة، والوعي بالعلاقات. قد يتساءل البعض: هل يختصر الوعي بهذه المسارات فقط؟ بالطبع لا. كما ذكرت سابقًا، الوعي مصطلح ذو وزن ثقيل ومعنى عميق ومتعدد الأبعاد. وقد تم الإسهاب في الحديث عنه من زوايا وأشكال عديدة، لكنني صنفته في هذه المسارات نظرًا لأهميتها وشمولها لذات الإنسان.

الوعي بالأفكار هو مراقبة داخلية للعقل ونوعية الأفكار التي تستولي عليه. الوعي بهذه الأفكار يجعلنا أكثر حذرًا في التعامل معها إذا كانت سلبية أو سامة، مما يساعدنا على تحليلها وفهمها وتحويلها إلى إيجابية أو على الأقل محايدة. إذا تم تكرار الأفكار السلبية، فإنها تتحول إلى مشاعر، ثم إلى أفعال، التي تُترجم إلى سلوكيات يصبح الفرد معتادًا عليها. فبالتالي، الوعي بالأفكار هو بداية التحول والتغيير.

أما الوعي بالنيات فهو يتعلق بالقلب والروح، وهو الانتباه لمقاصدنا وراء كل فعل أو عمل وأبعاده. كل فعل يقوم به الإنسان، يكون خلفه نية تتسيد قلبه، وتختلف هذه النوايا بين الصدق والهشاشة، وبين الصحة والخطأ، بناءً على وعي الإنسان بنياته ومقاصده. كلما اتضحت النية، كلما تجلى الفعل تبعًا لها.

الوعي بالصحة هو إعادة ضبط العادات اليومية والاهتمام بالسلوكيات الصحية. التأكد من البدء بعادات صحية صغيرة والتدرج فيها لتحويلها إلى سلوك صحي ومتوازن.

أما الوعي بالعلاقات، فهو المسار الأكثر تعقيدًا وتشعبًا، لذلك جعلته المسار الأخير. فكلما وعى الإنسان بذاته وأفكاره، أصبح أكثر قدرة على فهم نفسه، وسهُل عليه معرفة ما يريده من الآخرين وتمييز سلوكياتهم السوية وغير السوية. الوعي بالعلاقات هو الإدراك التام لطبيعة الأشخاص الذين نخوض معهم العلاقات وفحص أقوالهم قبل أفعالهم. النفس البشرية معقدة ومتشعبة، ومليئة بالشخصيات السوية وغير السوية، مثل الشخصيات النرجسية، الاضطرابية، السايكوباثية، الحدية، والتجنُّبية. 

الإنسان الواعي بالعلاقات يختصر على ذاته الكثير و يُجنب نفسه ضياع الوقت والجهد في التعاطي معهم ،فالعلاقات التي تجعل الإنسان بحالة دفاع و تبرير مستمر، واستجداء واسترضاء دائم أو شكوك و غيرها من السلوكيات الضارة، هي داء له و بَتر لصحته النفسية ثم الجسدية يحتاج إلى استئصاله فورًا ،فالعلاقات أسمى من هذه العبثية و أرقى من تلك العنجهية .

النفس البشرية عزيزة ومكرمة، لها قيمتها الكاملة. وعندما يعي الإنسان قيمة نفسه، يتسامى عن الانزلاق في مكامن الأذى والتساهل في حقه بحجة العواطف وغيرها. هنا تكمن أهمية الوعي بالعلاقات. الإنسان الواعي لا يضع حججًا لسلوكيات الآخر غير السوية، بل ينجو بنفسه لأنه يعلم أنه من المحال تغيير سلوكياتهم. الواعي ناضج عاطفيًا ومستقر نفسيًا، ويدرك قيمة الوقت ووفرة الخيارات في حياته. الواعي يملك توازنًا نفسيًا يجعله يرجح الجانب العقلي الصحيح والثابت على الجانب العاطفي المتغير والهش.

الوعي هو يقظة روحية عقلية، وعند الوصول إليها، يتسامى الإنسان، وتسكن نفسه وتهدأ، ويصبح في أبهى وأرقى حالاته. الوعي يمتلك العديد من الخرائط، جميعها تبدأ من ذات الإنسان وتنتهي إليها.