:تخيل معي عزيزي القارئ هذا السيناريو

تذهب للسوبر ماركت بهدف شراء صلصة طماطم لتنهي طبختك، وأنت في طريقك إلى رف الصلصة تقع عيناك على منتجات جديدة مغرية، ولا يرضيك أن تحمل الصلصة وحيدة! فتضم لها العديد من المنتجات بحماس.  الآن أنت أمام الكاشير وتسأله بكل أريحية بكم لو سمحت؟ تتفاجأ بالمبلغ المذكور، ولا تستطيع إلا أن تقبل به؛ فكيف تتراجع عن بعض مشترياتك، ما الذي سيقوله عنك البائع؟ وماذا عن الذين ينتظرون في الطابور خلفك؟ سيرفعون رؤوسهم عن هواتفهم المبجلة ويرونك وأنت تتراجع عن مشترياتك؟! تتذكر رصيدك البنكي، وتدرك أن الميزانية ستهتز، ولكن ماذا عن ماء الوجه؟ لا والله إلا ماء الوجه! تدفع المبلغ بغصة، ويخبرك البائع الشاعر بك وكأنه يطبطب عليك بأن هذه المنتجات مستوردة لذلك هي غالية، تبتسم له بهدوء، تحمل مشترياتك وتلوم نفسك لأنك لم ترتضي الوحدة للصلصة. هل سبق وأن حدث لك موقف مشابه لهذا؟

خذ نفسًا، أطمئنك “كلنا في الهوا سوا”

تكرر عليّ هذا المشهد بطرائق مختلفة، ولكي أعي لماذا أشعر بشعور سلبي بعد الانتهاء من التبضع غير المخطط له، سألت نفسي عدة أسئلة…لن “أقروشك” بأسئلتي وسأقدم لك النتيجة التي توصلت لها.

في عالم التجارة تتردد عبارة “مافي شي ببلاش كله بثمنه”؛ رضا العميل له ثمن، سخط العميل له ثمن، عدم تفاعل العميل له ثمن. التسويق لمشروعك له ثمن، عدم التسويق له ثمن أيضًا. وكما يستشهد الاقتصاديون امتثالًا لكبيرهم ميلتون فريدمان “”There’s No Such Thing as a free lunch” there is no free lunch”  أي “لا يوجد شيء مثل وجبة غداء مجانية، لا توجد وجبة غداء مجانية”

ثمن غير مادي

قست ذلك على التجارب التي يكون دفع الثمن فيها غير مادي، وهي أشد وطأة، على سبيل المثال: الوقت الذي أقضيه مع أشخاص لا يشعرني الحديث معهم بالراحة هو ثمنٌ غالٍ أدفعه. بالنسبة لي قيمة الوقت عالية، فأنا بخيلة في إعطاء الأشخاص وقتي، وتقديري لأحبتي يكمن في أنني أتيح لهم وقتي. ففي حال أسرفت بوقتي لأشخاص أو لشيء لا يريحني، يتكدر بالي وتزورني مشاعر غير محببة. مثال آخر: اتباع نظام غذائي مغاير لنظام عائلتي أكسب منه الوصول للهدف الذي أبتغيه، في المقابل أخسر متعة الجلوس معهم على الطاولة والحديث عن نقص أو زيادة ما في الطعم أو حدث عادي يحكيه لنا أحد أخوتي. أو فكرة الذهاب للعمل مبكرًا، تلك فكرة تتطلب النوم المبكر وفي مقابل هذا فقدان متعة السهر. وهذه أمثلة بسيطة أمام أمثلة كثيرة اختيار أمر فيها دون آخر تبنى عليه قرارات مصيرية في مستقبلنا، مثل قرار إكمال الدراسة من عدمه، أو الاختيار ما بين الزواج والعزوبية، الإنجاب أو عدمه…. إلخ

الاختيار بوعي

حسنًا، طالما أن هناك ثمن لكل ما نفعل أو لا نفعل في هذه الحياة ، فلماذا لا نختار الثمن بوعي وحكمة؟ كيف نفعل ذلك؟ أعتقد أن الوعي بثمن أفعالنا هو أول خطوة لتجنب التحسر أو الانكسار أو إلقاء اللوم على غيرنا، ففي المثال الأول كان بإمكانك أن تلقي اللوم على غلاء الأسعار. وكان بإمكانك أن تكتفي بدفع ثمن الصلصة وتعيد بقية المشتريات، وجميع هذه الخيارات لها أثمان، سواء ثمن مادي أو معنوي وقد يكون مادي ومعنوي في آن واحد.برأيي لا توجد اختيارات مثالية أو متكاملة تتناسب مع الجميع، بل هناك معيار يشكله كل شخص بناء على قيمه؛ فما تراه أنت قيّمًا قد لا يعني لي شيئًا لأن قيمته غير حاضرة أو منخفضة في منظومة قيمي. فالواعي بقيمه متصالح مع الأثمان التي يدفعها، ومتحمل مسؤولية أفعاله ومشاعره. أما غير الواعي فهو يملأ ذاته بإلقاء اللوم على الآخرين بدلًا من تحمل مسؤولية قراراته، فيدفع الثمن سخطًا وغضبًا على نفسه وعلى حياته. أؤمن بأن وعينا التام بوجود ثمن سندفعه، يجعلنا أكثر ثباتًا ورويّة أمام مشاعرنا وأمام الأحداث المستقبلية التي تبنى من خلال إقرارنا بقدرتنا على دفع ثمنها، كلما كانت قيمنا واضحة ومحددة سنختار بوضوح ما نستطيع تحمل نتائجه، قد نتردد، نحتار، نشك ولا بأس في ذلك. فاختر أثمانك بحكمة.