جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

الوقت المناسب خدعة
1 أيلول
النفس والعاطفة

الوقت المناسب خدعة

1 أيلول

|

النفس والعاطفة

نخطط لتفاصيل يومنا من أول لحظةٍ إلى آخر لحظةٍ فيه، نُغرقه بالاستهلاك، بالمهام والواجبات والحقوق والمشتريات والأشخاص، حتى تشبَّعنا بالتخطيط والتصق بنا مثل فردٍ في العائلة، فصار يومنا الطبيعي سياقًا زمنيًا يجب أن نملأه بأي شيء، فالمهم أن يكون فيه شيء، فلا نتأمل ولا نتدبر في نفوسنا إن كنا نريد ذلك الشيء حقًا أم لا. إنها فوضى الاختيار المسبق.

 

ودّعنا زمن حسن الاختيار وتقدير الظروف، وصار الوقت المناسب خدعة، وفقدنا أهمية عنصر المفاجئة والدهشة في العقل والشعور، وأصبح أقصى طموحنا المشي في خطوات متسلسلة ومعلومة، فحذفنا الارتجال من القاموس، واعتزلنا التفكير من الصفر فيما نريده حقًا كما ولو أننا نُساق في ماكينة.

 

نؤجل ممارسة ما نحب لننتهي مما خططنا الوصول إليه قبل عشرة أعوام، فنغرق في الاستمرارية وننسى أن الإنسان كائن متغير متجدد من المستحيل أن يقف على الوجه نفسه للأبد، نحنُّ إلى البدايات، ونشتاق إلى شغف المرة الأولى في كل شيء.

 

تتعطش أرواحنا أن تعيش شعور كل ما هو جديد، فتحتاج بعض أركان حياتنا إعادة التفكير من الخطوة الأولى لندرك الخلل ونعالجه، ورغم صعوبة إعادة التفكير في كل تفاصيل حياتك التي اعتدت شكلها إلا أن الأمر يستحق كل هذا العناء حقًا. فيقول التفكير حينها: “أتريد أن تقنع عقلي الذي اقتنع بفكرة جديدة قبل ستة أشهر أن عليه إعادة البناء والتخطيط والمرور مجددًا بمشاعر الخوف والتخبط فقط لأنه اكتشف ما هو أجد؟”

 

إنه الخوف الذي يعكر طُرقنا. والتخطيط الذي يصرخ لإقناعنا أنه بر الأمان. أدمنّا التخطيط حتى سرق منا متعة الإدهاش والإندهاش.

 

الصدفة تزامن غير متوقع لحدوث فعلين دون تخطيط مسبق، لُقيا صديقك الذي نسته مع السنين، ولم تنس ذاكرتك اسمه. الصدفة حين تجمعك الأيام بعد بحث السنين غير المجدي بصورة مصغرة ترى فيها نفسك صغيرًا، الصدفة هدية قُدمت لك دون مناسبة، ولكن في الوقت المناسب، الصدفة زيارة ذائقتك نكهة طعام والدتك وسط الغربة، الصدفة مقابلة أولى مع مَن برقت أعيننا لهم مرةً وبقت عمرًا، الصدفة جزء من رزقك الذي لم تسع له جاهدًا، بل زارك ضيفًا كما يقول سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه: “الرزق نوعان، رزق تطلبه ورزق يطلبك”. فأما الذي يطلبك فسوف يأتيك ولو على ضعفك، وأما الذي تطلبه فلن يأتيك إلا بسعيك وهو أيضًا من رزقك. فالأول فضل من الله والثاني عدل من الله.

 

الصدفة أن تقرأ كتابًا مؤلفه مجهولًا لكنه يروي قصتك بين طيات صفحاته، الصدفة استشعار لحظة الان دون التخطيط لها.

 

ظُلم عنصر الصدفة حتى تلاشى تدريجيًا، فهل يوجد أجمل من الصدفة؟ الصدفة تنتشلنا من التكرار الروتيني في تفاصيل حياتنا واعتياد العيش على وتيرة واحدة، الصدفة تُجردنا من الاتقان والمثالية المرهقة، وأجمل ما فيها أنها خالية من الانتظار كما يقول محمود درويش. لحظة لذيذة تشتاق إليها الروح لتوازن بين حياة الالتزامات وحياة الدهشة، بين التخطيط والمفاجأة.

 

إذا عمت الفوضى يومًا، فلا تتردد أن تعد النظر من البداية لتفكر فيما تريد الان، فالتجاهل وليد المزيد. أوصيك ألا تنسى أن تستشعر قليلًا من كل شيء، وإن أدركت أن الوجهة غير متطابقة مع خيالك؟ اسمح للمفاجأة أن ترسم خريطتك. صادف الفرص، خطط للبعض، واسع للكل. كن خيرًا لينًا، فالصدفة أنت يومًا ما في قصة أحدهم.

 
45
0
اشتراك
تنبيه
guest

8 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

إنسان المهارات المتعددة
30 كانون الثاني

|

الفنون والإبتكار
وقت القراءة: 6 دقائق
أثر الكلمة
19 كانون الأول

|

العلاقات
وقت القراءة: 5 دقائق
لا معنى للأسرار بعد الخامسة والعشرين
10 تشرين الثاني

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 7 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً