أذكر المرة التي ذهبت فيها لمشاهدة فيلم “كرويلا” تلك الشخصية الشريرة التي كرهتها بشدة في صغري،
دفعتني الضجة الإعلامية وآراء الناس الإيجابية عن
الفيلم للتنازل عن مشاعري تجاه الشخصية والذهاب
لمشاهدة الفيلم والمفاجأة أني كغيري من الأشخاص
أنهيت الفيلم، وأنا أحمل بداخلي مشاعر تقدير
وتعاطف، فقد قدم الفيلم شخصية كرويلا كشخص لطيف
بفطرته ومخلص بجوهره، مضيف تفاصيل دقيقة عن سبب
كراهيتها لنوع الكلاب الذي لطالما حلمت بصنع
المعاطف من فرائه، ليضيف بذلك أبعاداً إنسانية
عميقة قد لا تبرر
أفعالها الشريرة السابقة إلا أنها جعلت المتلقي
يتعاطف بشكل ملاحظ معها ويرتبط بها عاطفيًا.
هذا
النمط في صناعة الأفلام الذي يسلط الضوء على قصة
الشرير، ويجعله البطل الرئيسي للفيلم لم يكن حكرًا
على دزني فقط، هناك أفلام أخرى تناولت قصص الأشرار
بتفاصيل تُمكّن المشاهد من فهم الدوافع التي شكلت
شخصياتهم، أبرزها فيلم “الجوكر”. ومن نفس العالم،
جاء مسلسل “البطريق”، الذي دفعني لكتابة هذه
التدوينة، فخلال مشاهدتي
للحلقات وجدت نفسي قد تخليت عن كل القيم والمبادئ
التي تناصر الخير، متواطئة مع شخصية المسلسل رغم
فداحة أعماله ومكر وخباثة مخططاته، إلا أني كنت
تحت سيطرة العاطفة التي تولدت لدي بعدما تعرفت على
تفاصيل ماضيه، وفهمت الدوافع تجاه ما يقوم به من
أعمال شريرة، وهذا ما جعلني أتساءل، هل فهم ألم
شخص ما يجعلنا نبرر أفعاله؟
أثناء بحثي
عن إجابة شافية لتساؤلي هذا وجدت العديد من الآراء
المتضاربة حوله، ولكن ما تم
الإجماع عليه هو فكرة أننا نتعاطف عند فهم ألم أي
شخص، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن نبرر أفعاله،
التعاطف سمة إنسانية تجعلنا نتفهم الآخرين، وقد
تكون دافع للتبرير والمسامحة خصوصًا لو لم يكن
الأذى يمسنا مباشرة، وقد يخفف فهم الأسباب
والمشاعر المؤلمة خلف أفعال الآخر وطأتها علينا
إلا أنها لا تحجب حقيقة سوءها.
ربما
يكون سبب تعاطفنا مع الشخصيات الشريرة من الأفلام
الخيالية مدفوعًا بوعينا بأن كل الأحداث ماهي
إلا خيال، فنسمح للعاطفة بأن تسيطر علينا، ونقدس
الشخصية ونجعلها رمزاً وأيقونة، لكن في الحياة
الواقعية يصبح الأمر أكثر تعقيدًا، وتمتزج عاطفتنا
بالعقلانية، فقد نشعر بالأسى تجاه مجرم لمجرد أننا
فهمنا تعقيداته النفسية التي جعلته يقدم على فعل
الجريمة لكن حتمًا ذلك لن يغير رأينا بخصوص
استحقاقه للعقوبة.
وبعيدًا عن
التعاطف مع الأفعال الإجرامية الشنيعة، إذا نظرنا
إلى الأمر من منظور شخصي أكثر، وقررنا أن نفهم
وجهة نظر شخص يضمر الكراهية تجاهنا أو ألحق بنا
الأذى، فهل يمكن لذلك أن يساعدنا في تخفيف مشاعرنا
السلبية تجاههم؟ ويمنحنا القدرة على تجاوز الألم
الذي سببوه لنا؟
شاركنا تعليقك من هُنا