جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

محاولات تحسين سرمدية
1 حزيران
النفس والعاطفة

محاولات تحسين سرمدية

1 حزيران

|

النفس والعاطفة
بدعم من

مع نهاية كل سنة وبدايتها، يميل الكثير لمراجعة ما أنجزوه خلال الأشهر الماضية وما فوتوه، وما حظوا بفرصةٍ للاستمتاع به أو الحزن عليه. فكلٌ يراجع نفسه، وتضج المنشورات من حولنا بأهمية التغيير ووضع الأهداف للسنة القادمة، ومحاولة إنجاز ما لم يتم تحقيقه قبل أن يأتي تاريخ نهاية العام. وتروّج المتاجر لأجنداتها الخاصة، وكلٌ يتميز بتصميمه ومدى تنظيم منتجه. 

في خضم كل هذه المحفزات، قد يشعر المرء بالضيق إن لم يكن من هؤلاء الذين حققوا أهدافهم العظيمة، أو حتى ليس من الذين يضعون هدفًا في الأصل. فهذه المحفزات ترسل رسالة صريحة تخبرك: إن لم ترسم خطة بداية السنة وتضع أهدافك وتكملها في آخرها، فأنت لم تُنجز. هذا التصور النهائي، وعمل معرض منه في الشهر الأخير، يجعلنا نشعر بالضغط، لا سيّما إن لم تكتمل خططنا، بينما من حولنا قد حققوا ما حققوه. صار الإنجاز يندرج تحت إما نتيجة كبرى وإما لا شيء. بسبب فطرتنا كبشر عجولين، نرغب بالوصول إلى النتيجة النهائية بسرعة وبدون جهد كبير مبذول، لا سيّما إن رأينا أولئك الناجحين يخبروننا بمدى سهولة ما حققوه. غير أن الواقع مختلف تمامًا؛ فحتى تحقق الهدف الكبير الذي رسمته لنفسك، 

يجب أن تأخذ خطوات صغيرة نحوه على مدار أيامٍ طويلة. تمامًا مثل الرضيع الذي يبدأ بالجلوس، ثم الحبو، ثم يخطو، ويمشي، وأخيرًا يركض ويركب الدراجة. الوصول إلى نتيجة نهائية من الخطوة الأولى غير ممكن، واختصار المسافة عن طريق أخذ خطوة كبيرة جدًا طريق محفوف بالمخاطر ولا يضمن سلامة المرء من السقوط أو التعثر. فالخيار الأسلم هو الخطوات الصغيرة سعيًا لتحقيق هدف كبير نفخر به في نهاية المطاف -أو نهاية السنة-. هذا الهدف غالبًا ما يصب في مصلحة شيءٍ ما، إما على المستوى الشخصي، أو المهني، أو الاجتماعي، أو حتى الترفيهي. والرغبة في تحقيقه تتطلب وضع خطة للوصول إليه، مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما قد يواجهنا في الطريق.

منهجية كايزن: التحسين السرمدي

هناك منهجية يابانية تُعرف بـ “كايزن”، وهي منهجية إدارية تعنى بالتحسين المستمر. تقوم فكرتها على إجراء تغييرات صغيرة بشكل متواصل، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تغييرات كبيرة وملحوظة. ما يميز هذه التغييرات الصغيرة هو أنها ليست مكلفة، بل تتناسب مع ميزانية وإمكانات المكان الذي تُطبق فيه، كما تتماشى مع أهداف المنشأة وظروفها.

تعتمد منهجية كايزن على عدة عناصر أساسية، من بينها تضافر الجهود، الرغبة في التغيير، الانضباط الشخصي، واقتراح الأفكار لتحسين الأداء. ورغم أنها منهجية إدارية في الأساس، إلا أنها قابلة للتطبيق على المستوى الشخصي لتحقيق أهداف معينة. جوهر الفكرة يكمن في التحسين المستمر نحو الأفضل، ومن الطبيعي أن يطمح الجميع إلى الأفضل في جميع جوانب حياتهم، فلماذا لا نطمح إلى ذلك لأنفسنا أيضًا؟

تطبيق منهجية كايزن على الأهداف الشخصية يُسهم في تسهيل رحلة الوصول إليها. فحتى نصل إلى الهدف الذي نسعى لتحقيقه، يجب أن نتبع عملية تتماشى مع مبادئ كايزن. هذه العملية قد تشمل تحسين الذات، أو تعديل الطريق المؤدي إلى الهدف، أو حتى إعادة تقييم الهدف نفسه. وأي تحسين في أحد هذه العناصر يُعتبر خطوة صغيرة نحو التقدم. خلال هذه الرحلة، يُفضل تجنب إلقاء اللوم على الظروف أو الأشخاص إن لم تسر الأمور كما هو مخطط لها. عوضًا عن ذلك، يجب السعي لفهم مصدر الخطأ ومعالجته، ثم متابعة التقدم. بناء ثقافة الاعتراف بالأخطاء والسعي لإصلاحها يُعد من أهم مبادئ منهجية كايزن، وهو قائم على فكرة أن كل شيء قابل للتحسين، حتى وإن كان حُسن مسبقًا. اتباع الخطوات الصغيرة نحو الهدف هو عملية مستمرة، وربما لا تنتهي أبدًا. فكل يوم يمثل فرصة لخطوة جديدة، سواء كانت محاولة جديدة أو تحسينًا لشيء موجود بالفعل. قد تبدو هذه الفكرة مرهقة في البداية، ولكن لا يمكن تحقيق الكمال في أي شيء، فحتى بعد بلوغ الهدف، غالبًا ما ينشأ طموح لتحقيق هدف جديد مرتبط به، مما يؤدي إلى تكرار الخطوات مجددًا. لذا، يمكن القول إن هذه العملية سرمدية لا تتوقف أبدًا. ومع ذلك، من المهم أن تكون الخطوات متجددة وليست روتينية، بحيث تُظهر كل خطوة تحسنًا عما سبقها.البدء بالخطوات السهلة يُساعد في تمهيد الطريق لتقبل الخطوات الأصعب، ويُسهم في تسريع الوصول إلى الهدف في نهاية المطاف. منهجية كايزن قد تكون بطيئة، لكنها مستمرة، ولها تأثير واضح.

منهجية الحياة: التحسين المتقطع

قد تبدو فكرة السعي نحو شيءٍ ما بشكل مستمر مرهقة وثقيلة، وغير قابلة للتطبيق على الصعيد الشخصي. فأنت كيانٌ واحد، على عكس المنظمات التي يمكن أن تتبع هذه المنهجية بحذافيرها . ولكن تبنيها بشكل شخصي لتحقيق هدف ماطالت مدته أو قصرت، سيساعد كثيرًا على تعظيم الإنجازات الصغيرة التي نبذلها، وتعظيم الهدف النهائي لأننا نعرف تمام المعرفة ا مررنا به للوصول إليه.

فمن غير المنطقي أن يُبنى منزلٌ في يومٍ وليلة، ولكن العملية تستمر على مدى أشهرٍ عديدة متضمنة وضع الأساس والإسمنت والحديد ومواصير الكهرباء والماء والجبس والصبغة، وهذه حتى ليست نهاية القصة. إنما يتطلب المنزل بعدها الأثاث والأجهزة الكهربائية وحتى أشخاصًا ليسكنوه، بل وحتى بعد اكتماله، يتطلب صيانة دورية.

وهذه الرحلة قد تمتد إلى خمسة أو عشرة سنوات، وحتى عشرون سنة، على حسب إمكانيات الشخص المادية وحجم المنزل، وقد تنجز هذا كله خلال سنة. على هذا قِس كل ما تضعه نصب عينيك، ولكن الأهم أن تمتلك الدافع والعزيمة للاستمرار رغم ما تواجهه، وأن تتقبل فكرة تغيير ما حولك إذا لزم الأمر. 

وبعد أن تقدّر جهودك المبذولة، يجب أن تكافِئ نفسك. هذا الجانب تحديدًا قد لا يُذكر في منهجية كايزن، ولكنه ضروري للاستمرار. ، فإن أردت أن تستمر في تحسين نفسك وتحقق ما تصبو له، يجب أن يكون هناك عائد ملموس غير “الوصول” نفسه. ولا مكافأة تضاهي أن تكون فخورًا بنفسك وبما حققت.

تذكّر أن كل أمر كبير لا يحتاج خطوة واحدة كبيرة، إنما عدة خطواتٍ صغيرة.

37
0
اشتراك
تنبيه
guest
0 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

محاولات تحسين سرمدية
1 حزيران

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 5 دقائق
نحن أبناء الجسور
25 أيار

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 7 دقائق
الإلتزام يصنع الأبطال
19 أيار

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 6 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً