كيف أتخلى عن هذا الشخص؟ كيف ستكون حياتي دون وجوده؟ هل أستطيع العيش وحيدًا؟ امتزجت أسئلتنا بالعديد من المخاوف، لكننا لم نُدرك أن هذه المخاوف ماهي إلا أوهام تشكلت في مخيلتنا وأخذت تزداد سوءًا حتى قادتنا بالنهاية إلى أزمة التعلق!
هذه الأزمة ليست إلا خطوة متأخرة نحو ذواتنا، خطوة كان من المفترض أن نبدأ فيها بالاستماع إلى صوت أفكارنا وصدى مشاعرنا وتفهّم سلوكياتنا، فمن الطبيعي أن نشعر بالخوف من أن نبقى وحيدين ذلك لأن النفس البشرية تميل بفطرتها إلى التعارف والتآلف، فالإنسان دائمًا بحاجة إلى علاقات اجتماعية وتواصل مستمر مع الآخرين.
إلا أننا أحيانًا نسمع صوتًا يصرخ بنا من بعيد ويحذرنا بشأن علاقةٍ ما - ناقوس الخطر- فنتجاهل هذا الصوت خوفًا من البقاء وحيدين، أو خوفًا من عدم حصولنا على علاقة شبيهة بتلك العلاقة، وهذا ما يجعلنا عالقين بصورة بائسة فيها! ولا نستطيع أن نتغلب على مخاوفنا ونتطور بمعرفة ذواتنا، بل نتهرب من ذواتنا لأنها هي أول من استنكر الأمر وأدرك حقيقته.
دعونا نسهب في الحديث عن هذه الأزمة، هي حالة نعجز فيها عن التعامل مع مشاعرنا المتعلقة بالعلاقات التي مررنا بها، وربما يعود السبب إلى تجارب سابقة في مراحل الحياة المبكرة مثل مرحلة الطفولة، حيث أصبح لدينا خلل في تطوير العلاقات وكيفية إقامة علاقة تفاعلية سوية تدعم صحتنا النفسية.
تتضح هذه الأزمة في عدة أعراض منها:
محاولة العودة إلى شخص المتعلّق به والشعور بعدم القدرة على المضيّ قدمًا دون وجوده، والتنازل التام عن مساحتنا الشخصية من أجل هذا الشخص، ووضع قراراتنا المصيرية بالحياة بين يديه، والإنصات إلى صوت المشاعر والعواطف الكاذبة وصعوبة الوصول إلى المشاعر الحقيقية الصادقة.
في الغالب ينقسمُ الأشخاص في علاقاتهم إلى نمطين؛ النمطُ الأول يكون على صورةٍ سويّةٍ، فأصحابه يرغبون بتطوير علاقاتهم ويكونون فيها على مقربةٍ، لكن وفقًا لحدود تساعدهم وتقومُ العلاقة بشكلٍ سويٍّ بعيدًا عن الاعتمادِ المرضي. بينما، على النقيضِ، فإنَّ هناك نمطًا آخرَ من الأشخاص يميلون إلى الاعتماد المرضي في علاقاتهم بالآخرين، حتى وإن كانت هذه العلاقات تجلب لهم طاقة سلبية وتؤذي صحتهم النفسية.
فنجد أنهم دائمًا يسعون إلى فرض متطلبات على المحيطين بهم وكأنهم يستمدون قيمتهم من تحقيق هذه المتطلبات، أو قد يفترضون حدوث سيناريوهاتٍ سلبية تجعلهم دائمًا في دوامة شك لا منتهية، بل هي دوامة تمتد هالتها السوداء إلى حياة الفرد، فتعيق تواصله مع ذاته قبل المحيطين به.
يقودنا هذا المقال في نهايته إلى حال قد وصفها شمس التبريزي في مقولته "نت تشعر بالوحدة ليس لأنه لا أحد معك، بل لأنك أنت لست معك!"
آن الأوان للتخلص من هذه الرهبة والتحرر من المخاوف التي ارتسمت في مخيلتنا على أنها حقيقة حتمية ستقع، لكنها في الواقع أوهام، وليس للأوهام صحة أو حقيقة بل ذواتنا هي الحقيقة وما تحتوي عليه من أفكار يجب تصحيحها ومشاعر نُعيد تنظيمها وتظهر بصورة مختلفة عن السابق وهذا الاختلاف ينعكس على سلوكياتنا، فلا نكون بهيئتنا القديمة، الهيئة المعتمدة على الغير بشكل مرضي، الهيئة المترددة في اتخاذ القرارات والتي تميل إلى فقدان أجمل الفرص دون أن تمتد لها يد.
شاركنا تعليك من هنا