لا يمكننا إنكار أننا في زمن لم يعد فيه اسمك وحده كافيًا، بل أصبح مجرد اسم علم يحتاج إلى لقب
يسبقه يعزز من مكانتك أمام الآخرين، ويليه تعريف دقيق لمن أنت وما هي إنجازاتك. زمن لا
يرحب بالعادية، ويشعرك بالذنب تجاه اغتنام الفرص الفورية والاستمتاع بالمناسبات
والإنجازات البسيطة.
هذا الخوف من أن نكون أشخاصًا عاديين دفعنا إلى الإفراط في
تقدير حياتنا العملية وتأجيل معظم ما يتعلق بحياتنا الاجتماعية، وبالتحديد تأجيل
مسراتنا البسيطة التي نتقاطع معها يوميًا، فننأى عن الالتفات لها
وعيشها، وتصبح سعادات مؤجلة ومنسية لحين أن نحظى بالسعادة المزعومة في المستقبل التي لن
نصل إليها إلا من خلال السعي الدؤوب نحو أهدافنا، ونيل ذلك اللقب الذي سنتلفظ به قبل
أسمائنا، وحصد الإنجازات الكبرى التي نطمح إليها. وهكذا، أصبحت المتع البسيطة في نظرنا
أمورًا سهلة المنال لا تدوم، بينما نعتقد أن السعادة الدائمة تكمن في أهداف بعيدة نأمل
في الوصول إليها.
إن هذا الانحياز والميل لفكرة تأجيل سعادتنا هو
ظاهرة نفسية شائعة في عصرنا، تأثرت بعوامل عدة، أهمها الرسائل
والخطابات المجتمعية التي جعلت من النجاح شرطًا مسبقًا لتحقيق السعادة. مما خلق معتقدًا
نفسيًا مفاده أن السعادة حالة مستقبلية يجب تحقيقها.
والحقيقة هي أن السعادة شعور
بسيط قد تشعر به في أقل المواقف إبهارًا ويغيب عنك في أكثرها دهشة وروعة في ظنك. إنها
حالة متذبذبة ومفهوم فردي بحت، لكننا لا زلنا نشكله وفق ما يمليه علينا مجتمعنا، وبناءً
على ما يمارسه الآخرون ويحققونه.
نحن نطارد فكرة مثالية للسعادة، بينما لو
تمعنا أكثر في هذا الشعور لوجدنا أنه شعور
مبالغ في تقديره. تلك السعادة التي تنتظرها من نيل جائزة كبرى هي نفس السعادة التي قد
تشعر بها من حديث ودي مع شخص تحبه، فكلاهما شعور رائع وزائل لن يدوم طويلًا. الفرق هو
أن نظرة المجتمع من حولنا للموقفين هي ما حددت مفهومنا تجاه أيهما يستحق أن يُعاش
وأيهما يُؤجل.
لذا، لا تؤجل سعادتك، حتى لو كانت بسيطة، فليس
هناك ضمانات لاستمرار ذلك الشعور أو لظهوره بكثافة أكبر.
شاركنا
تعليقك من هُنا