في واحدة من أهم الدراسات الحديثة في علم النفس الرقمي، حلّل باحثون ملايين المنشورات على وسائل
التواصل الاجتماعي عبر عشر سنوات، ليجيبوا عن سؤال
عميق:
هل تتغير
طريقة تفاعل مشاعر الإنسان مع بعضها عبر الزمن؟ أم
أن هناك “هندسة عاطفية” ثابتة داخلنا؟
النتيجة كانت
مفاجِئة ومثيرة في الوقت نفسه:
العواطف
البشرية تمتلك بنية داخلية ثابتة… تتكرر في
الأزمات كما
تتكرر في الأيام العادية، وتتكرر في الثقافات
المختلفة بنفس الشكل تقريبًا.
ما
الذي قامت به الدراسة؟
جمع الباحثون
بيانات علنية من منصات مثل تويتر ورديت، ثم
استخدموا تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل العواطف
داخل النصوص. بعد ذلك بنوا “شبكة عاطفية” توضّح
كيف تظهر المشاعر معًا — أي العواطف التي تُصاحب
بعضها في الوقت نفسه.
هذه الطريقة
تُسمى تحليل الشبكات
العاطفية (Emotional Co-occurrence Networks)، وهي
تُعد إحدى أحدث أدوات فهم النفس البشرية على نطاق
جماعي.
النتائج: عواطفنا تتحرك… لكن لا تتغير
1)
شبكة العواطف ثابتة بشكل مذهل
رغم اختلاف
السياقات — أزمات، كوارث، حملات إعلامية، أو فترات
هدوء — بقيت الروابط الأساسية بين المشاعر كما هي:
القلق ↔ التوتر
الحزن ↔
الوحدة
الغضب ↔
الاشمئزاز
الأمل ↔
الامتنان
هذه الأزواج
من العواطف تستمر في الظهور معًا بشكل ثابت مهما
تغيّر العالم من حولنا.
2) الأزمات تُضخّم المشاعر… لكنها لا
تُعيد ترتيبها
عندما تضرب
كارثة أو أزمة اجتماعية، تصبح الروابط بين المشاعر
السلبية أقوى (مثل القلق والخوف)، وتضعف الروابط
الإيجابية قليلًا.
لكن “شكل
الشبكة” نفسه يبقى كما هو.
كأننا نملك
“خريطة عاطفية داخلية” ثابتة، لا تتغير بل يتغير
حجم بعض مناطقها فقط.
3) الخريطة نفسها تظهر في كل مكان من
العالم
سواء في أمريكا، أوروبا، آسيا أو الشرق الأوسط — أنماط تزامن المشاعر بقيت متطابقة تقريبًا.
الدراسة
تقترح أن هناك بنية عالمية للمشاعر مشتركة بين
البشر، تتجاوز اللغة والثقافة.
ماذا
يعني هذا بالنسبة لنا؟
1. فهم أعمق
للنفس البشرية
مشاعر الإنسان ليست عشوائية؛
بل تتحرك داخل شبكة معقدة لكنها مستقرة.
2. قراءة
وعي المجتمع
يمكن تتبع “مزاج المجتمع” عبر
الزمن بدقة أكبر باستخدام تحليلات الشبكات.
3. أهمية
السرد والمحتوى
إذا كان “الحزن” يسحب معه
“الوحدة”، و“الأمل” يسحب معه “الامتنان”، فهذا
يفتح بابًا كبيرًا أمام المحتوى الثقافي والفكري
لمعالجة المشاعر عبر فهم علاقاتها وليس عبر فصلها.
4. وسائل
التواصل لا تخلق مشاعر
جديدة
بل تضخّم البنية الموجودة أصلًا داخل
الإنسان.
خلاصة القول
تكشف الدراسة
أننا — رغم اختلافاتنا، ورغم تسارع العالم — نمتلك
نظامًا داخليًا ثابتًا للعاطفة.
نغضب
بالطريقة نفسها.
نخاف
بالطريقة نفسها.
وتتحرك
داخلنا المشاعر في ترابط متكرر لا يتبدل.
إنها هندسة الإنسان من الداخل؛
شبكة من الأحاسيس تتفاعل، تتغير قوتها، لكنها لا
تتغير في جوهرها.