لا شيء نخاف منه في حياتنا الحديثة أكثر من الوقوع في الحب، ولا شيء نطلبه ونبحث عنه ونرغب فيه أكثر من الحب! نريده ونخافه، نبحث عنه ولا نفهمه. وفي عصرنا الحديث يبدو أن الحب يغادرنا، نسيء فهمه ويسيء فهمنا، فلماذا لا نفهم الحب!؟ رغم كل هذا التقدم والتطور، والاكتشافات النفسية المذهلة!
ما الحب!؟
الخطأ في الحب يبدأ من الخطأ في تعريفه، ومن ثم تأويله وتجريده من المعنى الحقيقي له، وما أكثر الخطأ في التسمية والتعريف في عالمنا الحديث؛ لا سيما تلك المفاهيم التي يكثر الحديث عنها دون وعي، فدائما ما يكون الخطأ حليفًا للابتذال.
الحب شعورٌ يميل للمطلق، فهو غير محكوم بقاعدة ثابتة أو تعريف محدد، وأن كل محاولة لتحديد الحب وتعريفه، ووضعه في إطار وربطه بنموذج إنما هي محاولة لاختلاق الحب وتزييفه، فهو غامض بطبعه، غير مفهوم، وليس من المفترض أن يُفهم، لا مبرر واضح له، ولا يجب أن يكون مُبررًا، فالحب بصمة قلبية، تختلف من إنسان لآخر، أي من قلب لآخر.
وإذا ما أردنا تعريف الحب دون خنقه واختلاقه، فهو قبول لخوض المجازفات والمتاعب، وتقبل لعدم الاستقرار الناتج عن التعامل مع المجهول، الحب قبول لهذا المجهول في سبيل بناء علاقة مع ذات أخرى، وهذا البناء إنما يُبنى من مجهول ويواجه المجهول طيلة الوقت؛ يواجه المستقبل بما يحتويه من متغيرات لا يمكن توقعها، فلا يمكن توقع مآل الحب، ولا استباقه ولا اجتنابه.
نحن لا نفهم الحب، لأننا لا نريد أن نفهمه بمعناه الحقيقي؛ المتطلب والمشروط والصعب، والذي يحتاج لمجهود والتزام، فنحن نعيش في عصر السطحية، والسعي المحموم خلف الأشياء التي يسهل تناولها ويسهل أيضا التخلص منها إذا ما أردنا.
فحينما يكون الأساس الفكري الحديث قائمًا على التخلص التام من المسؤوليات، والتخفف من عبء العلاقات الإنسانية الحقيقية، والبحث الدائم عن المتع اللحظية، تلك التي نُستهلك فيها ونستهلكها، وإذا ما انقضت سريعا، بحثنا بسرعة أكبر عن غيرها، ستكون النتيجة الحتمية هي العمى عن رؤية الحب الحقيقي وفهمه، وربما عن أي حقيقة أخرى؛ حقيقتنا وحقيقة الحياة التي تلائمنا.