«انجح وحدك، تسلَّق الجبال بمفردك، لا تُلقِ بالًا بمن حولك»
كلنا سمعنا هذا النوع من الخطابات التحفيزية، وربما صدقناها في وقتٍ من الأوقات، وهذا الخطاب التحفيزي إنما يقودنا بشكل ساذج نحو البؤس والألم. فلا شيء يمكن أن يبقيك متعبًا، مستهلكًا على الدوام، أكثر من أن تُعادي طبيعتك الإنسانية، حينما تحاول فرض واقعٍ يُخالف احتياجاتك، فتبقى طوال الوقت مشتتًا، مشاعرك غير مشبعة، منهك طوال الوقت من فرط السير في تيار يعاكس إنسانيتك.
إننا في حالتنا الطبيعية، لا يمكن أن نبقى وحيدين، فنحن نعيش وفقًا لأسرةٍ وسط مجتمعٍ على أرضٍ نعرفها وتعرفنا، هذا الاتصال الذي ينشأ بين الفرد ومحيطه، هو بمثابة تناغمٍ مع مكونات الحياة، فإذا فُقد أحد تلك المكونات اختل توازن حياة الفرد.
نعاني أكثر ما نعاني في العالم الحديث من فردية قاسية، تُصعّب علينا حياتنا، لأن تضخيم الذات يعمل على تضخيم مشكلاتنا الفردية التي نقابلها يوميًا، فتصبح مشاكلنا مآسٍ ضخمة تعرقل مسيرنا في الحياة. الانغماس مع المحيط خروج من سجن الذات، فنتلهى بمعانٍ تتخطى ذاتنا، نجد فيها ملجأ من أنانيتنا، وتمحورنا حول مشكلاتنا التي إذا ما ولينا إليها جُل اهتمامنا ستصبح ضخمة تثقل كاهلنا طوال الوقت.
ربما تنخدع بالحياة الحديثة، التي تغويك كل يوم للتحرر من أعبائك ومسؤولياتك، فتطالبك بأن تقطع ارتباطك بالعائلة والمجتمع الذي لا يفهمك، نحو حرية لامعة تنقذك من كل همومك. وأنا الآن أرسل لك رسالة قد تنقذ يومك من غول الحياة الحديثة وخداعها؛ لا تصدق تلك الحرية لأنها القيود بعينها، فلا شيء يكبل الإنسان أكثر من تعدد الخيارات وعدم وجود مرجعية له يعود إليها حينما يتشتت ويفقد القدرة على الاختيار.
حينما نعيش في كنف العائلة نحمي أنفسنا من معاناة التردد واللايقين، تلك التي من شأنها أن تجعل حياة المرء جحيمًا متواصلًا، فالأسرة والمجتمع ومن قبلهما الإيمان بالله، إنما وُجدوا في الحياة ليخففوا عنّا وحشيتها، فهم بمثابة ركائز تصنع لنا طوال الوقت النماذج التي نعود إليها حينما نكون في حيرة من أمرنا ونعجز على الاختيار.