لم يعد سرًا أن الإنسان كائن تراكمي. وأقصد بكائن تراكمي أن ما عاشه أسلافك من نمط عيش لا يزال مُحرّك أساسي فيك اليوم ومسجل في شفرة الـ (DNA). جسدك الذي يخولك بقراءة هذه المقالة مُصمم بشكل بديع لمواكبة كل التحديات الطبيعية، مُصمم ليواجه المُفترسات، والأجواء المناخية القاهرة، والفيروسات القاتلة، والتضاريس الوعرة. جسدك مركبة مكوكية نفاثة خارقة نجت من العديد من الكوارث والظروف القاهرة، ثم ماذا حدث؟
ظهرت الحداثة والمُدن المليونية المُصممة بأحدث التقنيات لتجعل حياتك اليومية تناسب ذائقتك الشخصية. في غرفتك تختار درجة الحرارة المناسبة لك بضغطة زر، وتأكل ما لذ وطاب من دون أن تحرك ساكنًا بمجرد ضغطة زر، تتواصل مع الآخرين دون أي وجود حقيقي ولا مجهود يذكر بضغطة زر، تنتقل من مكان لآخر دون أي مجهود بدني. كل تحتاجه أن تضغط زر، تحمي نفسك من البرد القارس بأجود الأقمشة في أقصى بقاع العالم بضغطة زر. كم هو بديع هذا العالم! أليس كذلك؟
دعني أخبرك أن جسدك لم يُصمم ليضغط زر، ولكنه صُمم ليضغط أزرار الطبيعة بالكثير من التأملات والمجهود الشاق. جسدك مُصمم ليكون يقظًا دائمًا بالكثير من المستشعرات الذكية جدًا، جسدك أذكى من أن تعرفه وأعمق من أن تدركه. وعندما نعيش الحياة السهلة وهو مُصمم لغير ذلك يبدأ بافتعال التحديات غير الموجودة، والتحليلات غير اللازمة، والتفسيرات اللامنطقية. يبدأ بصناعة المُقلقات كونه لم يفهم السهولة ولم يعتد عليها. اليوم نعيش القلق لا لأن حياتنا فعلاً مُقلقة، ولكن بسبب سهولتها الفجة. اليوم نعاني من الاضطرابات النفسية لأننا لم نواجه ما نحن مُصممين لأجله.
أن نواجه صعوبات لنأخذ الثواب كنتيجة مُباشرة. في «عقبة حبو» كان كل مهمة تافهة تعتبر تحديًا صعبًا، الأكل عملية مُرهقة، ولكن الشبع بعدها يحمل لذَّة لا مثيل لها. الانتقال من مكان لآخر شاق، ولكن الوصول نعيم وراحة. ما أُشاهده في محيطي يأمرني بالتواضع والتسامي. قد تبدو الفكرة غير مُجدية للكثير، لماذا أصنع تجربة شاقة وما الهدف من كل هذا، نحن أبناء اليوم لا الأمس!