سألتني امرأة ذات يوم: هل تملكين الجرأة لتقولي لي: ما هو أقبح ما فيك؟
تفكرت كثيرا في السؤال حتى ارتأيت أن أشاركه اليوم.
إن القبح والجمال متلازمان في الإنسان جنبًا إلى جنب، ولا يخلو بشري منهما، لكن ما أثارني في السؤال هو: هل أمتلك هذه الشجاعة؟ شجاعة الاعتراف لنفسي بقبائحها الفجة دون تورية أو أعذار؟ هل أعرف إن كانت قبائحها أصيلة أم تطبعت بها؟ وإن عرفتها وقبلتها وتصالحت معها، هل يتقبل أحبابي قبائحي وهل أتقبل قبائحهم؟
قادني هذا التساؤل إلى طرح بعض التساؤلات الجريئة على من حولي بسياقات مفتعلة، كإبداء رغبتي في بعض الأمور المستنكر التعبير عنها اجتماعيًا بصوت عال. بالرغم من أنها من الرغبات أو الصفات الأصيلة للبشر. لاحظت ردات الفعل، كان أغلبها حادًا و مستهجِنًا، وقادني هذا كله إلى سؤال: لماذا نجد الراحة في الحديث مع بعض الأشخاص دون غيرهم؟
إن كانت لهذا السؤال إجابة فهي: لأننا قادرون على الانكشاف دون خوف أمامهم، على إظهار أبشع ما فينا بلا شك في أنهم سيتقبلوننا كما نحن. لكن ماذا لو أن جميع الناس يستطيعون تقبلنا بقبائحنا ورغباتنا كما هي؟ هل كنا لنحتاج لتحسين ذواتنا أصلا؟ هل نحن نحسن من أنفسنا لأجلنا أم بسبب الضغوطات من الآخرين؟
لاحظت أن لإنسان العصر الحالي انقطاعان نفسيان سببا له كل هذه الاضطرابات: انقطاع عن هويته الجمعية وانقطاع عن صفاته الأصيلة الفردية.
ساهمت العولمة والرأسمالية في انقطاعه الجمعي عن هويته التفردية من ملبس ومنظر ومأكل واعتقادات وأسلوب حياة وأثر ذلك واضح على شعوب الأرض قاطبة، ربما لم ينج منها إلا المنعزلون للعيش في عالم بدائي. وبينما كانت قيم العالم والمجتمع تتغير بشكل سريع جدًا غير مناسب للتأقلم والتقبل، كان الإنسان يمر باضطراب آخر في داخله من تأثير هذا التغيير. عمَق هذا الهوة بين ما يأمله وما يعيشه وما يعيه عن كل هذا ولكل واحدة منها عالم مختلف، فأصبح يعيش بهويات متعددة في شخص واحد يتظاهر بالاستقرار.
تعرف الصفات الأصيلة في الإنسان بأنها الخصائص التي تصف شخصية وصفات وسلوكيات الإنسان على فطرته والتي لا يبذل أي جهد لاختلاقها. أما الصفات الدخيلة فهي الخصائص والصفات التي يبذل جهدًا وطاقة لتبنيها او اكتسابها أو التحلي بها، وربما كان ذلك بتأثير وضغوطات من عوامل خارجية.
لنأخذ مثالًا: الرغبة في التكاثر والرغبة في المزيد من كل الأشياء هي صفة أصيلة بطبع الانسان، يتصف بها كل بني آدم على وجه هذه الخليقة دون بذل أي جهد ودون أي تأثير خارجي. لذلك استغلت الشركات الرأسمالية هذه الصفة بتضخيمها وتقريب السلع إلى المستهلك عبر خلق الأسواق الحرة وتسهيل الدعم اللوجستي لتعظيم الأرباح. إلى جانب توجيه المستهلكين إلى منتجات معينة تلبي صفة الانسان الأصيلة فيه وهي رغبته بالمزيد، كما تلبي صفة أخرى وهي رغبته في القبول الاجتماعي والتماهي مع المقبول اجتماعيا.
في المقابل: يعد الامتنان إحدى الصفات الدخيلة على الإنسان. أن نمتن يعني أن نشكر الموجود، ولطالما حثت الأديان السماوية ورغٌبت الحركات الروحانية في استشعار الموجود وتقدير ما نملك. ومن السهل أن نلاحظ كم نبذل لنتطبع بالامتنان والشكر.
للأسف، كمجتمعات وأفراد نسعى للصورة المثالية من أنفسنا ومن الآخرين متجاهلين ما يسببه هذا السعي من انقطاع عن صفاتنا الأصيلة. أثّر هذا الانقطاع على أرواحنا حتى بتنا لا نستطيع التمييز بين صفاتنا الأصيلة وصفاتنا الدخيلة. ألقى هذا التزييف بظلاله على الصحة النفسية للإنسان المعاصر وخلق صدعًا كبيرًا يردعه عن تقبل نقائصه والاعتراف بها أمام نفسه. ومع طبقات من التجمل المزيف، فقد الإنسان ذاته وانعزل عن حقيقته فزاد الصدع وانتشرت الاضطرابات النفسية.
إن الخيار الوحيد الأسلم لنا، هو أن يعي الإنسان منّا ذاته وخصائصه ونقائصه وأن يصنفها ويعمل على تحسين ما يمكن بمستوى عال من الوعي والاتصال بالذات ليعيش حياة أكثر اطمئنانا.
أؤمن أن الإنسان كلما كان أكثر صراحة مع نفسه ومع الآخرين كلما وصل إلى السلام والتناغم مع الكون، وكلما ادعى خلاف ما جبل عليه كلما تعمقت الهوة. أن نلتفت إلى دعاة قوائم الامتنان اليومي والاسبوعي وكثير من مدربي الحياة (life coaches) يعني أن نضيع أعمارنا في المهدئات المؤقتة دون أي حلول جذرية لمعاناتنا. بينما يكمن الحل في الاعتراف بأطماعنا لأنفسنا أولًا. أي مكاشفة أنفسنا بأسباب أهدافنا وتحركاتنا دون تورية أو تجميل. فكلما عرفنا الفرق بين صفاتنا الأصيلة وصفاتنا الدخيلة كلما قل شعورنا بالعار من نقائصنا. وكلما تقبلنا ذواتنا وتقبلنا الآخرين كلما استطعنا مساعدة أنفسنا بتوجيه جهودنا وطاقاتنا لما ينقصنا من صفات يمكن التحلي بها.
إن كون الصفة أصيلة في الانسان لا ينفي عنها القبح وكون الصفة دخيلة لا ينفي عنها الجمال. بل يتوجب التمييز بين الأصيل والدخيل لنتمكن من الإمساك بزمام الأمور. ولنستطيع التفريق بين الصفات الأصيلة والصفات الدخيلة يمكننا الرجوع أولًا أي من الصفات المذكورة في القرآن الكريم عن صفات الإنسان وطبائعه. على سبيل المثال: ” أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ”، “ إنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا“، “ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً“، “ وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً“، ” خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ”، وأن ننظر في الجهد المبذول في تحقيق هذه الصفة في الذات: هل أبذل جهدا للتخلق بهذه الصفة في حياتي؟ هل يبذل الآخرون جميعهم جهدًا لذلك؟ أم أني وجدت نفسي متخلقًا بها!
إن الطريق لتحسين الذات يمر أولًا بالوعي بها ومحاولة فهمها، ومن هناك نستطيع الحديث عن حياة أكثر تناغمًا وسعادة.