علاقتي الأولى بالرياض تشكلت من خلال صوت محمد عبده وكلمات الراحل المرحوم البدر بن عبد المحسن، تغنيت مع السعوديين: "آه ما أرق الرياض تالي الليل" قبل أن تسنح لي فرصة زيارة الرياض في عام 2017، والعجيب أنني زرتها لمرة واحدة بينما كنت مُتجهة للدمام وكان الوقت ليلًا، لتتحقق الأغنية/ النبوءة، وليكون نصيبي منها هو أن أرى وجهها في الليل.
الحياة في الرياض سريعة، بشكل قد لا أتخيله اليوم، لكني أسمع عن كيف تتراكض الرياض وتسعى وتُنتج وتُباهي بما تفعله، وفي غمرة هذه السرعة يلمع شيء ساحر، ولا أتحدث عن الأضواء التي تسطع في ليل المدينة لتُحيل عتمته لزمنٍ ملون، الشيء الساحر غير مفهوم تمامًا لكنك تشعر به، ربما هو روح المدينة القديمة والشابة في نفس الوقت، والتي تحاول إعادة صياغة مفهوم الليل بطريقتها.
في حلقات مسلسل 2 Broke Girls، كانت تُضحكني مشاهد الفتاة الثرية التي فقدت ممتلكاتها للتو ، والتي بدأت في التكيُف مع الحياة البسيطة العادية، ومن ضمن ما تكيفت معه كان ركوب الميترو، والتنقل في نيويورك الشاسعة عبر محطاته، وربما كثيريون، ومنهم أنا، مُتعلقون بميترو نيويورك من المسلسلات التي تناولت الحياة في المدينة الصاخبة والمزدحمة، رُغم أنه ليس تجربة التنقل الأفضل، ولا أتحدث عن غرابة أطوار الكثير من رُكابه، بقدر ما أتحدث عن كونه في أنفاق تحت الأرض، لا توفر مُشاهدة ممتعة لبنايات المدينة.
أسكن في مدينة الإسكندرية المشهورة بخطوط الترام القديمة التي تتهادى بين البنايات بطرازها الأوروبي القديم، والتي أُفضل ركوبها كلما شعرت بحاجة لصفاء الذهن وإعادة استكشاف جمالٍ أراه كل يوم بشكلٍ عابر وتلقائي، وربما لهذا السبب شعرت بسعادة عندما شاهدت مقاطع ميترو الرياض، الذي يتنقل في أرجاء المدينة، واضحاً لعدسات من يرغبون في توثيق لحظاته وأيامه الأولى، ومانحًا لراكبيه مشاهدة ممتعة للرياض الجميلة، التي تزدان يومًا بعد يوم، ليكون طريقة جديدة تُضاف لطرق استكشاف وجه الرياض الليلي، ووقتًا يمكنك الهرب فيه من مسؤولية القيادة وازدحام الإشارات، لبراح التأمل في بنايات الرياض ونخيلها وقمرها في سماء الليل.
ولأنني استكشف السعودية حاليًا عبر انستقرام، فقد تعرفت أيضًا على تجربة نور الرياض، التي تحول صفحة الليل الهادئة في المدينة لمساحة من الفن والإبداع، بتلاقي ذرات الضوء في لوحات ملونة مُعلّقة في الأثير؛ بتجربة تبث الإلهام في سماء الليل، وتأخذ تأملات الرائي للنجوم وتطير بأحلامه لعنان السماء، وبجانب المقاهي والمطاعم والفعاليات والأسواق التي تؤنس هدوء الليل في أنحاء الرياض والدرعية، هناك أيضًا فعاليات موسم الرياض، ولا أتحدث عن جانبها المبهر، بقدر ما أحب جانبها الحميم: مشهد الناس وهم سعداء؛ يُغنون في الحفلات بطرب، وتلمع عيونهم في بهجة مع العروض الترفيهية المختلفة، ويضحكون بصوتٍ عالٍ بينما يحضرون العروض المسرحية، هذا التفاعل الإنساني يمنح فرصة رائعة في كل يوم لتكوين ذكرى تجمع ما بين المدينة والليل.
قد لا تكون الرياض من المدن التي لا تنام في لحظة كتابة هذه السطور، وربما هي ليست مهتمة بالانضمام إلى نادي المدن الساهرة، لكني على يقين أنها تُعيد تشكيل الليل بطريقتها.
شاركنا