ربما تُشعرنا المقاطع التي نرى أصحابها يوثقون زياراتهم للأماكن التي دارت فيها مشاهد من الأفلام العربية القديمة ببعض الحنين، وببعض الرغبة في زيارتها والتواجد ولو للحظات في مكان دار فيه مشهد سينمائي أبيض وأسود عالق بذاكرتنا؛ بتفاصيل ملابس الأبطال، وأصوات وحركة الشارع حولهما، وأشكال البيوت أو الأشجار المحيطة بهما، وربما شعورنا بالحنين المختلط بالسعادة والحماس ونحن نُطالع هذه المقاطع منبعه أننا تغلبنا على الزمن ومروره، وتوحدنا مع فلمٍ مفضل ولو للحظة.
هذه الخلطة الشعورية هي ما جعلت سياحة السينما رائجة اليوم، فكثير منا لديه حلم خفي بزيارة القرية الصغيرة ذات المراعي الخضراء، التي دارت فيها أحداث مسلسل آن Anne With An E، لنُجرب بأنفسنا الاستمتاع بالطبيعة وبالمكان وسحره الباعث لكل هذا الإلهام، الذي كانت آن تُمرره لنا في كل حلقة من المسلسل، ببساطة كبشر، قد نشترك في رغبة الاستمتاع بتجربة غامرة، والعيش ولو للحظات كأبطال للأفلام والمسلسلات التي أحببناها، والسير على خطى مشاهيرنا المفضلين، ولهذا تُعّد اليوم نيوزيلندا؛ المكان الذي دارت فيه بعض أحداث أجزاء فلم سيد الخواتم Lord of the Rings، وبعض مناطق إسبانيا، مثل قصر إشبيلية الذي كان يمثل حدائق دورن المائية، إلى شاطئ إتسورون في زومايا، الذي تحول إلى ساحل دراجونستون في مسلسل لعبة العروش Game of Thrones الذي تابعناه على مدار سنوات، كأكثر الوجهات (السينمائية) زيارة.
دوافع الزائرين لكل تلك المواقع واضحة ومُتعددة؛ مثل
مشاعر الحنين إلى العوالم الخيالية؛ فالأفلام تأخذنا إلى عوالم أخرى، سواء كانت خيالية أو تاريخية. زيارة هذه الأماكن تتيح لنا الشعور وكأننا جزء من القصة، وتعيد إحياء الذكريات المرتبطة بتلك الأفلام.
الرغبة في التجربة الحسية: فعند زيارة موقع تصوير، نستطيع لمس الجدران التي لمسها الممثلون، والمشي في الشوارع التي ساروا فيها، وهذا يخلق لنا تجربة حسية فريدة من نوعها، تجعلنا نشعر بأننا أقرب إلى الشخصيات والأحداث وبأننا داخل المغامرة التي رأيناها على الشاشة.
التواصل مع الثقافات الأخرى التي تعرضها الأفلام، وزيارة الأماكن التي تم دارت فيها أحداث الفلم فرصة لاستكشاف تلك الثقافات على الطبيعة، وتعلم المزيد عنها.
لكن يبقى البحث عن الذات أهم الأسباب التي قد نُسافر عمومًا من أجلها، والتي قد تدفعنا أيضًا للسفر إلى أماكن تصوير أفلامنا المفضلة؛ لمُعايشة حكاية أحد الأبطال المفضلين أو شخصية تعلقنا بها وشعرنا بشبهها بنا، وربما نشعر عندما نُقرر زيارة الأماكن المرتبطة بهذه الأفلام، إنها قد تساعدنا على فهم أنفسنا بشكل أفضل.
في تجربة لطيفة قام بها موقع Photo AID على حوالي 1000 مواطن أمريكي، وجدوا أن 96% من الخاضعين للتجربة قد زاروا بالفعل الأماكن المرتبطة ببرامجهم التلفزيونية أو أفلامهم المفضلة مرة واحدة على الأقل في حياتهم، وأن 78% منهم قد يُسافرون على متن رحلات بخطة سياحية تتبع برامج التليفزيون أو مشاهد السينما ولقطات المسلسلات.
يعيش البشر بسعادة وشغف بفعل السحر الذي ينساب إليهم في مواقف الحياة المختلفة، وبعض الأفلام تُمارس علينا سحرًا يبقى لأيام، وبعضنا يُكرر مشاهدة الفلم لتتكرر لحظات السحر، وقد يُسافر الإنسان للقبض على هذا السحر، وتتبعه بنفسه.