جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

فضيلة أن تكون استثنائيًا
8 أيار
النفس والعاطفة

فضيلة أن تكون استثنائيًا

8 أيار

|

النفس والعاطفة

فضيلة أن تكون استثنائيًا

بداية… استفتاح كريم..

لقد مر شهرٌ كامل منذ أن تواصل معي الأعزاء في قوثاما لأبدأ بالكتابة معهم بمعدل مقالة شهرياً.ولا يسعني سوى القول بأني سعيدة للعودة لماراثون الكتابة والقراءة ومحاولة إشراك الآخرين في أفكاري. أُحب أن أكتب، ويروق لي أن أشارك أفكاري وأناقشها مع الآخرين وأن أكتشف وجهات النظر المختلفة وأن أتطلع للنقاط التي غفلت عنها، أو معرفة أن آخرين فكروا بنفس فكرتي أو خطر لهم بعض ما عبر في عقلي.

كنت أخطط لكتابة هذه المقالة منذ مدة إلا أن القلق والخشية غمراني كغطاء وقضيت فترة ليست بالهينة حتى شرعت بكتابتها. وبالرغم أن المقالة تناقش العادية وفضيلة أن يُسمح للواحد منا أن يكون عادياً، هاجمتني متلازمة المحتال حاصرتني بشراسة لتكرر علي أنه يجب أن أكتب شيئاً غير عادي، ومع اتفاقي الكلي أنه يجب أن أكتب شيئاً رائعاً يليق بكل من يقرأ، إلا أن عقلي كان يأبى مساعدتي والمساهمة في حثي على الكتابة خشيةً وقلقاً ورعباً..

إن ما يحصل اليوم معي ومع كثيرين غيري من الموهوبين أو أصحاب المهارات هو القلق الدائم من أن نكون عاديين، أن نصنع شيئاً أقل من التوقعات، أقل من توقعاتنا عن أنفسنا، الشبح الذي يلاحقنا، و يمنعنا من العيش باعتيادية وكعاديين.. 

هنا قطعة من أفكار تناقش مدى القلق المتجذر فينا من العادية وما يتبعها كأشخاص حديثين، في عصر يتزايد فيه وهم ارتباط الذات بما ننتجه فقط:

في عصر متسارع، حيث نتناول كل شيء على وجه السرعة، ونبحث عن محركات لكل موضوع من مواضيع الحياة، حيث نقبع في المنتصف و نعيش وكأننا في أحد سباقات الرالي، عصرٌ تُعد فيه السرعة صفة مميزة لأي مادة في حياتنا؛ وجبات سريعة، تطبيقات سريعة، تسوق سريع، توصيل سريع، تصليح سريع، مغسلة سيارات سريعة، سيارة سريعة… عصرٌ أصبح فيه الوصول السريع هو المغزى من كل شيء وكأن الحياة ستهرب من بين أيدينا. أكاد من فرط السرعة أشك أن البشر يعيشون حالة الخوف من أن تُفلت الحياة من بين أيديهم قبل أن ينتهوا من كل شيء بشكل سريع. 

أذكر أحد المقالات التي قرأتها سابقاً تذكر “أن سباقات السيارات السريعة محببة لدى فئة من الناس نظراً لمشاعر المغامرة والتجديد التي تخلقها لجمهورها، وشعور المخاطرة والأجواء المصاحبة للترقب ومحاولة الانتهاء من المسار بشكل سريع“. يشعر الشخص في سباق السيارات مثلاً أو ميدان الخيل أنه ينتظر أمراً ما في دقائق معدودة، يرتفع معدل القلق والتوتر لديه، ويعيش حالة الترقب بكل التفاصيل الدقيقة المحيطة به من كل جهة فسيولوجياً ونفسياً، دقات القلب المتسارعة، النظرات والبحث، الانتظار، قطرات العرق، ردود الفعل من الصراخ والضحك والغضب والتشجيع. وفي حال نظرنا لحياتنا الآن فهي شبيهة لنفس الوتيرة المتسارعة لسباقات السيارات وبطولات الخيل على سبيل المثال لا الحصر. أظن أن حياتنا أصبحت سباقاً سريعاً لفكرة: كيف تصبح ناجحاً بشكل سريع، بل أعتقد أن موضوع الحياة الرئيسي أصبح يتمحور حول آلية النجاح والإنتاج ونسيان فكرة العادية. أكتب اليوم، دحضاً لفكرة الإنتاج السريع، والنجاح بسرعة، والوصول بسرعة، والرغبة بكل شيء بسرعة. أكتب الآن لأمجد فكرة أن نكون أشخاصاً عاديين بلا حرج، أن نكون أرواحاً عادية بلا خجل أو عار، أكتب لي ولكم ولجميع الذين يشعرون الآن بالحرج لممارسة عاديتهم أو الرغبة بأن يعيشوا حياةً عادية. 

العادي وسؤال حدثني عن نفسك 

في كل مرة مررت في مقابلة وظيفية أو تحدثت مع أحد عن المقابلات الوظيفية، أجد الناس محرجين من سؤال حدثني عن نفسك، كلمنا عنك، قولي من أنت، لو بسألك فلان في خمس جمل أوصف لي إياه…. الخ من الأسئلة التي عبرت على مسامعنا جميعاً، أجد الكل محرجاً من هذا السؤال أو يشعر بالتورط. أن تكون متورطاً من سؤال يتمحور حولك، حول النفس التي يعجز الجميع عن سبرها بشكل كامل، لهو ضرب من ضروب التوتر النفسي تجاه الذات، لأنني لا أعتقد أن أكثرنا يجهل نفسه بالحد الذي يجعلنا متورطين من سؤال كهذا. لهذا أرى أن ما يسبب هذا الحرج هو قلق الأشخاص من الرفض أو من النتائج المترتبة من جهة صاحب العمل أو مسؤول التوظيف ما إذا كانوا صادقين في التحدث عن أنفسهم. في الثواني التالية للسؤال تفكر بأكثر الإجابات المنمقة التي تظهرنا كأشخاص منجزين يتحملون صعاب الحياة، ويجيدون استخدام العديد من البرامج، مع العديد من الهوايات المثرية وإجادة عدة لغات. أعتقد أننا جميعنا خلقنا إجابات ضحكنا منها مباشرة بعد خروجنا من المقابلة، ليس لأننا كاذبون، لكن لشعورنا بخبالة الحقيقة التي تضعنا في موقف وصف أنفسنا بتلك الطريقة المصففة، وكأننا نوع من المصفوفات الرياضية التي تحوي أفكاراً محددة تجعلنا مصفوفات صحيحة أو خاطئة، لكن في هذه الحالة مصفوفة الشخص العادي أو الناجح المنتج المبهر.

 

إن ما يحدث داخل كل عقل منا، محاولة للمواراة وراء صفاتنا وتعظيمها بشكل لا نجده منطقياً ليس كذباً ولا يجعل منا أشخاصاً فاشلين، بل أظن أن ما نخشاه هو أن يكتشفوا عاديتنا الظاهرة للغاية.. 

قبل أول مقابلة لي قرأت مقالات عن التوظيف في لينكدإن تقترح لكل من يذهب إلى المقابلة الشخصية أن يستعمل نقاط ضعفه كنقاط قوة،  وكان مثال الكاتب يتمحور حول؛ افترض أنك شخص قلق أو متوتر فيمكنك أن تقول: أشعر بالقلق لأني أهتم بالتفاصيل المثالية…. لوهلة تشعر أنها إجابة منطقية، لكن الحقيقة أنها إجابة مثيرة للسخرية! أعني أعتقد أننا لا نزال بشراً؟ أي أن لدينا نهفات وهفوات، وأخطاء وجزع وقلق ونقاط ضعف وسوء, ولا أعلم لم يشعر صاحب العمل بضرورة معرفة نقاط ضعفي التي سأوظفها لتكون محركاً منتجاً لعملي. 

في نظري أن هذا السؤال هو بؤرة القلق المستحدث لفكرة كيف نكون ناجحين ومنتجين. السعي نحو خلق الهالة الضرورية للإجابة عن هذا السؤال سواء لأنفسنا أو لغيرنا يحرك العقل البشري نحو دحض عاديته ورغبته في أن يكون عادياً. في اقتباس من كتاب حميميات باردة لإيفا إيلوز ذكرت شيئاً عن تأثير العمل وبيئته على صورة الإنسان الحديث عن ذاته، حيث تسلط الضوء على أن الكفاءة والأداء المهني أصبحا يشكلان النتائج والانعكاسات عن المرء ومكانته وما يميزه عن غيره. أظن أن هذه اللبنة هي الأساس الذي صنع ثقافة الإنتاج السريع واستنكار العادي وعزز من التنكر بزي المنتج الناجح طوال الوقت. 

بورتريه ذاتي عن العادية، صورة حزينة في عصر يدعي السعادة 

ما ختمت به الفقرة السابقة، حديث يستدعي الإسهاب عن واقع الاقتصاد الحالي “الرأسمالية”، فقد خلقت توتراً اجتماعياً فردانياً لصورة النجاح التي تُقيمك بناءً على إنجازاتك ومنتجاتك المهنية والعملية وكمية رصيدك البنكي أو مرتبتك العلمية والعملية في مقر عملك. أصبحت بيئة النجاح مقترنة بكم العائد المادي للوظيفة، فبدل أن يكون مصدر الرزق وسيلة ليعيش المرء، تحول لشيء يعيش المرء من أجله ويصنع الذات التي تجعل الآخرين يحترموننا أو ينظرون لنا بعين التقليل والإهانة. وبالرغم من أن هذا لا يبدو ظاهراً إلا أن شكل السعي أصبح ينهر عن العادية والعيش الطبيعي بنمط هادئ أو عادي لا يحوي أي مغامرات أو إنجازات فاصلة.

ساهمت مواد مثل البودكاست واليوتيوب والمقابلات مع كبار الشخصيات الناجحة في زيادة الشعور بالذنب تجاه ما نحن عليه، فبالرغم من أن ظاهر الفكرة يبدو مقارباً للإلهام، كما يحدث مع كتب التطوير الذاتي والسير الذاتية لـ رجال الأعمال، إلا أن الحشو العصري للأفكار وترتيبها بطريقة تظهرك كشخص عادي في الأغلب موصوماً بالفشل، مما عزز الشعور بالذنب والحكم بالموت على الذات التي تريد العيش بسلام؛ فلا يسمى شخصٌ يعيش بهدوء في قرية مع خمسة أطفال بالناجح، رغم قدرته على النجاح من الكوارث الحياتية، وسلامة نفسه من الملوثات النفسية والأخلاقية، بل يعزز للأشخاص العابرين بسلام بوصمة الكسل والفشل.

المثال المقابل لذلك هو تعزيز الصورة النمطية للناجح بكونه رائد أعمال لا مثيل له، يكسب الكثير من المال ويستطيع الحصول على ما يريد بأقل جهد يذكر وكسبه للكثير من المال من خلال مهنته أو منتج يبيعه. وما يزيد الضغط النفسي أكثر هي تلك الأفكار التي تغيرت بين أجيالنا وأجيال آبائنا، ففي جيل آبائنا كان يكفي أن يمتلك الشخص وظيفة تيسر له عيشه وتعطيه كفاف عيشه، وتسمح له بتربية أبنائه، وفي أفضل الأحوال مدخرات جيدة لمنزل العمر أو قطعة أرض زراعية. كان الواحد يشعر بالاكتفاء والسعادة باستقراره الوظيفي بعيداً عن الضغوطات النفسية. وأنا هنا لا أدعوا لصورة نستلوجية للماضي، إلا أنني أعتقد بأن معدلات القلق بين والد ربّى ابنه قبل عشرين عاماً وبين شخص في نفس العمر الآن سيكون شاسعاً. بل أكاد أجزم أن البعض منا قد يخاف من التصريح برغبته بالبقاء في وظيفة واحدة تقدم له الكفاف ومعيشة محترمة في بيت آمن وحياة هادئة. أصبح العالم الذي نعيش فيه صورة للإنتاجية ورواد الأعمال، داحضاً لواقع تختلف فيه القدرات والرغبات وحرية الأفكار وتتفاوت المهارات. إن الصورة التي تدعوا لها كتب تطوير الذات وبرامج البودكاست والبرامج الحوارية في مجال الأعمال والتطوير وما يتبعها في هذا النمط هي ضغط اجتماعي بشكل أو بآخر، وهي ما تزيد من أفكار الخوف من الفشل وازدياد قلق الناس، القلق الذي سوف يمنعهم من الإقدام على تجارب حياتهم وتقبل نتائجها وتطلعهم للمستقبل بمشاعر تميزها الرضا. 

هوس الإنتاجية 

هذا الهوس رفع من معدل القلق والتشاؤم تجاه الذات مما قلل من رغبة الناس بالتفكير بالمستقبل أو التفاؤل بالحياة مكتفين بما لديهم، حيث ارتبط التفاؤل بشكل مباشر بالإنتاجية المهنية والعملية رافضاً أي تنوع ثقافي وجسدي وجندري يشكل قدراتنا التي تميزنا  كجنس بشري لتسخيرنا لمختلف الأمور. وفي اعتقادي أن اختلاف البنى الاقتصادية حول العالم منذ الثورة الصناعية وما بعدها هو ما جعل فكر الإنسان يتطور نحو فكرة أن التطور كشخص سعيد هو الإنتاج وامتلاك الماديات المواكبة مع اختلاف مستوى الرغبة والرضا. 

أنت مميز، لأنك عادي 

مررت على تغريدة منذ مدة بينما كنت أتجول في تويتر، يدعو صاحبها لبودكاست للأشخاص الفاشلين، للخيبات، للناس الذين يعبرون الحياة بعادية. لا أعتقد أن فكرة الفشل فكرة سيئة، حيث أشعر أنها الوجه الثاني لكثير من المشاعر وارتباطها بالتصرفات البشرية التي تشبهنا، والتي هي نتاج لكل شخص يمارس حياته ولأن تطبيع الفشل هو امتلاك نظرة واقعية وواعية تجاه الحياة وظروفها. إلا أن أغلب الناس في هذه الأيام مأخوذون وسجناء للنظرة التفاؤلية لرواد الأعمال الذين نجحوا بعد عدة إخفاقات، فيأتي الواحد منهم للبرنامج الإذاعي ليشاركنا إخفاقاته وكيف نهض منها، متجاهلاً ذكر التفاصيل والحيثيات التي ساعدته في النجاح كالرفاهية المالية التي لا يملكها أغلبية الناس، ولا أنكر حقيقة وجود عصاميين في هذا العالم، إلا أن رفاهية التجربة والقرارات الاقتصادية ليست ملكاً لكل الأشخاص على سطح هذا الكوكب الذي نعيش فيه. فالرفاهية الاقتصادية وعدم الخشية من التبعات والحيطة في الأسباب جزء من حقيقة واقع الكوكب التشاؤمي وهو ما يجعل الشخصيات عامة تصطدم بجدار لا تجد له معولاً يهدمه، نظراً لعدم امتلاك رفاهية الاختيار أو أدوات الاختيار أو القدرات الكافية للبدء بتلك الطريقة. إن الأزمات الاقتصادية وتغيراتها الحادة حولت الحقيقة لصور مبهرجة عن التفاؤل. ورغم أن التفاؤل مفيد لتطورنا إلا أنه يحتاج لمكمله التشاؤمي الذي يساعدنا على القلق والحذر والحيطة، لكن الواقع الحاصل هو؛ شخصيات براقة متواجدة في البرامج اللامعة المليئة بنبرة التفاؤل لا يشاركوننا الصورة كاملة خلف هذا النجاح من فشل وتشاؤمية وقلق وعادية. فبينما يكتب لك أحدهم عن العادات التي تساعدك على النجاح، لا أحد يعلمك كيف تواجه الفشل حال حدوثه، وبينما تقرأ عن ريادة الأعمال لا يخبرك أحد عن أهمية متانة شبكة علاقتك وفي حال ذكرت، تُذكر كعامل ثانوي لا أهمية له، ولا يشاركك أحد حقيقة أن الإنتاجية قد تكون من ناحية أخرى ظلماً في حق صحتك النفسية، ووقتك الخاص لهواياتك، أو قتلاً للوقت الذي تقضيه مع عائلتك وسبباً في تأخر ارتباطك بشريك الحياة الذي ترغبه، أو مقابلة أصدقائك. 

لكن الواقع هو وقوعونا في الفخ بربط قيمتنا مع أعمالنا. لا أنزه نفسي، حيث أحرقت ذاتي لعامين متتالين بالعمل في مختلف الأعمال والمجالات اعتقاداً مني أني سأرتقي للمستوى المادي الذي أطمح له أو أن فكرة العمل ستجعل مني شخصية مجتهدة ومختلفة، فكانت النتيجة التقليل من قراءتي، اختفاء الرسم من حياتي بعدما كنت أفرغ مشاعري من خلاله، ارتفاع معدل القلق لدي، توتر شبه يومي، ومستوى عالٍ من الغضب والنقم، مقابلة أشخاص أقل، ورغم أن الكثير سموني في حياتي بالفراشة الاجتماعية فقد خفّ حضوري في المناسبات التي أحب أو اللقاءات التي كنت أحضرها للتسلية، أو متابعة مسلسلات تعجبني. إن الفكرة السائدة عن ارتباط تقديرنا بأعمالنا ليست بالفكرة الحسنة التي ستخلق منا شخصيات سعيدة، ولا فكرة تتبع نجاحات الآخرين أو رائدي الأعمال أو مصاحبة وتبني أفكار شخصيات يشاركوننا الجزء المشرق المناسب لضوء وسائل التواصل، ولن تخلق عقلية الفتى العشريني المتحمس أشخاصاً برضاً معتدل وممتاز عن الذات. 

إن العادية لا تعني الخواء، فالعادية قد تعني أن تكون إنساناً راضياً بما لديك، شاعراً بالتكرار دون نقم، شاكراً لذاتك على المحاولات، شخصٌ لا يتملكه الغضب جراء ذاته كل صباح حين يستيقظ، ولا يصنع من صورته الشخصية موضوعاً للنقد الأدبي والعلمي. العادية هي أن نكون متقبلين لما مررنا به دون الشعور بالضغط لإحداث صحوة وإنجاز بعد كل هفوة وسقطة. العادية هي السماح لأنفسنا بالفشل بلا ذنب، والسماح لها بالتوقف بعد الصدمات، والتقبل لكل شيء برضاً يهدينا المساحة للاختيار بناءً على ما نشعر به. فاليوم أريد أن أكون عادية، أن أصحو بلا عادات تجعلني أكثر انتاجية، ولا أريد أن أشرب مشروبات تجعلني متفائلة لتصنع مني رائدة أعمال ناجحة. أريد لي وللجميع حرية الاختيار، أن نفشل ونقلق وألا أستمع لإعلانات لدورات تساعدني لأصبح ثرية من خلال سوق الأسهم. في حين أن الوجه الحقيقي لكل تلك المنتوجات وما تخبئه لنا حقاً فشلٌ وتشاؤم وحزن وألم متتابع بسبب الآمال الزائفة والاحتمالات التي تشعرنا بها. إن الرياضيات وعلومها استمرت تحدثنا عن الاحتمالات، بينما أصبحت لغة الإيجابية والإنتاجية تنكر احتمال الفشل وتنكرنا كأشخاص عاديين في حال رغبتنا باختيار الطريقة التي تخصنا وتناسبنا لتتنكر بشكل الوصي الذي يقرر عنا ويختار أهدافنا ويملي علينا أحلامنا،  إن ما يحدث اليوم عبودية للفكرة بشكل حديث. إن حق الإنسان في التحرر من زخم هذه العبودية ووزنها أصبح بعيد المنال مع وهم الحياة المثالية المنتجة للطموح والنجاح، إن المصطلحات السابقة اللامعة كلها شكل من أشكال الضغط والانهيار التي تصنع منَّا شخصيات تعيسة تضع نفسها في إطار المقارنة مع عالم شاسع كبير. 

إن العادية ليست فشلاً، إن العادية هي محاولة التقبل في سبيل الرضا والهدوء النفسي الذي يهدينا الإتزان. إن العادية هي انكسار الكوب دون أن يلهمك بانكسار روحك، والرغبة في أكل كعكة تصنعها والدتك دون القلق من وزنك المثالي، والسماح لأطفالك بأكل حلوى المصاص دون القلق بوصم نفسك بالمربي السيء. إن العادية هي تنميط الفشل كجزء من حياتنا دون رمي الكره على عاديتنا،

عدم وصم عاديتنا بالفشل يمهد لنا الطريق للوصول إلى الشخصيات التي نرتضيها لأنفسنا بلا زخم التوقعات المبالغة بطريقة تنكر فيها واقعنا. 

أتمنى لكم يوماً عادياً تحت مكيفات باردة مع شاي عادي أحمر ولذيذ ويوم عمل عادي وهادئ. 

ملاحظة: 

أشعر بالقلق من أن تكون مقالتي عادية….

35
1
اشتراك
تنبيه
guest
19 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

محاولات تحسين سرمدية
1 حزيران

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 5 دقائق
نحن أبناء الجسور
25 أيار

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 7 دقائق
الإلتزام يصنع الأبطال
19 أيار

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 6 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً