في عالم يلمع فيه بريق المعرفة على السطح، كثيرًا ما تختبئ الروح في العتمة خلف ستار الكلمات والألقاب. نرى المثقف بملابس رسمية وكلمات منمقة، لكن قلبه يفتقر إلى الدفء، وتغيب عنه السجية والضحكة الصافية، والانغماس في اللحظات العفوية بلا ثقل الاستعراض.
هنا يبرز السؤال: أي معنى للثقافة إن لم تُترجم إلى حياة؟
المثقف المعاصر
يُختزل المثقف المعاصر في الجدية المطلقة: ابتسامة نادرة، كلام ثقيل، وتفاخر بكم الكتب المقروءة. يكتب روايات مبهرة أو كتبًا فلسفية عميقة، لكنها لا تنعكس على قلبه ولا على سلوكه اليومي. فتجده عاجزًا عن الحب، عن التواصل الصادق والوضوح، وعن إقامة علاقات تمتد من روح إلى روح.
وهذا ما أشار إليه إريك فروم في كتابه “فن الحب” حين أكد أن المعرفة بلا حب تتحول إلى قشرة جوفاء، ويصبح الإنسان فقيرًا في علاقاته رغم غناه النظري.
هيبة زائفة… وإنسانية غائبة
في كثير من المجتمعات، تتحول الثقافة إلى مراسم شكلية: خطاب منمّق وصورة مهيبة تفرض الهيبة أكثر مما تُضيء الروح. لكن خلف هذا البريق، تُهمَّش الإنسانية وتضيع العفوية. يصبح المثقف أسير مظاهره، عقلًا يلمع في العلن لكنه يفتقد حرارة المشاركة في الفرح والألم.
الثقافة الحقيقية… حياة متدفقة
الثقافة ليست في عدد الكتب ولا في تراكم الشهادات مع أن لها قيمتها لكنها إن لم تكن قادرة على إحياء الروح فلن تحقق أثرها. جوهرها يتجلى في الضحكة الصادقة، في اللطف مع الآخرين، في الجرأة على الانخراط بالقضايا الإنسانية لا الهروب منها. الثقافة الحقيقية تفتح الأبواب المغلقة للقلب، وتجعل المعرفة جزءًا من الحياة لا عبئًا عليها.
فضيلة جوفاء لا تستحق الاسم
أي ثقافة تعزل الإنسان عن مشاعره، وتحبسه في برج عاجي مع قهوته السوداء المتعالية، هي ثقافة مزيّفة. إنها تسلبه براءته وضحكته ولطفه، وتتحول إلى أداة لإرضاء الأنا المتضخمة أو نيل إعجاب عابر من الجنس الاخر رُبما لا يضيف شيئًا للروح.
وكما قال نيتشه: الثقافة التي لا تُضيء الداخل ليست سوى فضيلة جوفاء.
الثقافة الحقيقية ليست مظهرًا ولا مؤهلًا، بل هي فن أن نكون أحياء بعمق؛ أن نضحك ونحب ونعطي، أن نعيش بالمعرفة لا أن نختبئ خلفها. فهل نملك الشجاعة لنخرج من ثقافة الظل إلى ثقافة النور