نخطط لتفاصيل يومنا من أول لحظةٍ إلى آخر لحظةٍ فيه، نُغرقه بالاستهلاك، بالمهام والواجبات والحقوق والمشتريات والأشخاص، حتى تشبعنا بالتخطيط والتصق بنا مثل فردٍ في العائلة، فصار يومنا الطبيعي سياقًا زمنيًا يجب أن نملأه بأي شيء، فالمهم أن يكون فيه شيء، فلا نتأمل ولا نتدبر في نفوسنا إن كنا نريد ذلك الشيء حقًا أم لا. إنها فوضى الاختيار المسبق.
ودّعنا زمن حسن الاختيار وتقدير الظروف، وصار الوقت المناسب خدعة، وفقدنا أهمية عنصر المفاجئة والدهشة في العقل والشعور، وأصبح أقصى طموحنا المشي في خطوات متسلسلة ومعلومة، فحذفنا الارتجال من القاموس، واعتزلنا التفكير من الصفر فيما نريده حقًا كما ولو أننا نُساق في ماكينة.
نؤجل ممارسة ما نحب لننتهي مما خططنا الوصول إليه قبل عشرة أعوام، فنغرق في الاستمرارية وننسى أن الإنسان كائن متغير متجدد من المستحيل أن يقف على الوجه نفسه للأبد، نحنُّ إلى البدايات، ونشتاق إلى شغف المرة الأولى في كل شيء.
تتعطش أرواحنا أن تعيش شعور كل ما هو جديد، فتحتاج بعض أركان حياتنا إعادة التفكير من الخطوة الأولى لندرك الخلل ونعالجه، ورغم صعوبة إعادة التفكير في كل تفاصيل حياتك التي اعتدت شكلها إلا أن الأمر يستحق كل هذا العناء حقًا. فيقول التفكير حينها: "أتريد أن تقنع عقلي الذي اقتنع بفكرة جديدة قبل ستة أشهر أن عليه إعادة البناء والتخطيط والمرور مجددًا بمشاعر الخوف والتخبط فقط لأنه اكتشف ما هو أجد؟"
إنه الخوف الذي يعكر طرقنا. والتخطيط الذي يصرخ لإقناعنا أنه بر الأمان. أدمنّا التخطيط حتى سرق منا متعة الإدهاش والإندهاش.