لكلٍّ منّا أهداف وطموحات يسعى لتحقيقها، لكننا غالبًا نتشتّت في زحمة الحياة. وأحد أسباب هذا التشتّت هو تكرار بعض التجارب، مثل الفشل، حتى يظن المرء أنّ الفشل كُتب عليه، فيستسلم ويترك الأمر.
هل حدث أن تكرر أمامك لون معيّن؟ أو اسم؟ أو رقم؟ قد تظنه يحمل رسالة خفيّة، أو لعله مجرد صدفة طريفة ترويها لاحقًا لأصحابك وأحفادك.
بالنسبة لي مثلًا، كان يتكرر عليّ اسم محدد، والغريب أنّ من يحملن هذا الاسم دائمًا ما تتسم شخصياتهن بالسلبية والأذى! فأصبحت أميل إلى الحذر في التعامل مع كل من تحمل هذا الاسم، إضافًة لأني أتشاءم منها أو أتجنبها، وبالرغم من ذلك كنت أقع ضحية أذاهن. حتى تحوّل الأمر إلى نكتة أشاركها مع صديقاتي.
لاحقًا، بدأ الرقم (٤) يطاردني أينما ذهبت؛ في الساعات، والصفحات، ولوحات السيارات، وحتى في الفندق كانت غرفتي تحمل الرقم ٤٠٤ في الطابق الرابع! ضحكت بجنون من غرابة الصدفة، حتى والدتي لاحظت الأمر وصارت تشير إليه معي.
قد يبدو الأمر مهيبًا أو حاملًا لرسالة، كما في معتقدات “أرقام الملائكة” أو ما يُعرف بالجذب في مجال الطاقة. لكن ربما الأمر أبسط بكثير، مثل “نظرية السيارة الحمراء” أو نظرية بادر هوف- أو التكرار الوهمي.
تنص النظرية على أنك حين تركّز على شيء ما ـ مثل سيارة حمراء تفكر بشرائها ـ ستراها فجأة في كل مكان. ليس لأنها رسالة لك كما يُفسرها البعض بسبب الانحياز الفكري، بل لأن عقلك بدأ يفلتر ما حوله ليلتقطها لكثرة تفكيرك فيها. أو ما يدعى بالانتباه الانتقائي.
في موقف طريف، طلبت إحدى مؤثرات التواصل الاجتماعي المهتمات بالطاقة والوعي من متابعيها أن يلاحظوا كل وردة زرقاء في محيطهم. للوهلة الأولى بدا الأمر صعبًا، فالوردة ليست حمراء ولا صفراء، بل زرقاء! وذلك اللون نادر. لم أهتم للأمر كثيرًا وبعد أيام اكتشفت أن هناك طبعة وردة زرقاء على وسادة قديمة في بيتنا، وهي أمامي منذ سنوات! اندهشت، وبدأت أتساءل: كم من الأشياء الجميلة في حياتنا نتجاهلها، مثل تلك الوردة المسكينة؟
وهل الإيجابية وهم نصنعه لأنفسنا، أم واقع نعيشه لكن غفلنا عنه؟ وهل هذا يعني أننا نملك خيار السعادة؟ وهل نحنُ مسيرين أم مُخيرين؟
أشارت بعض الدراسات إلى أنّ عقل الإنسان مبرمج ليبحث عن كل خطر يهدّد حياته، كآلية للبقاء أو النجاة. لهذا، عندما نتوتر أو نتشاءم، يبدأ العقل بالبحث عمّا يثبت مخاوفنا. ففي إحدى الثقافات، عندما "ينكسر صحناً" صباحًا، فهذا يعني أن تتطير من يومك وتعتبره سيئ، فتذهب للاختبار أو المقابلة وأنت مهزوم سلفًا. عندها يتفنّن العقل في إثبات فشلك، ويجعلك خصم نفسك.
الأمر مرهق، لكن الجميل أنّ الدراسة نفسها أثبتت إمكانية قلب المعادلة بتمرين بسيط لا يتعدّى خمس دقائق، وهو ما يدعي بتمرين الامتنان.
كل مساء، اكتب خمسة أشياء تشعر بالامتنان لحدوثها في يومك. مع الوقت، ستُعاد برمجة عقلك للتركيز على الأمور الإيجابية، فتصبح روحك أخفّ وأبهج، وتبدأ بملاحظة الفرص التي تقودك للتطور علميًا وصحيًا ومهنيًا. تخيّل أن بينك وبين تغيير حياتك قائمة صغيرة من خمس نقاط فقط!
هل تساءلت يوماً ما تفسير نجاح ال vision board أم ما يُعرف بلوحة الأهداف وتحقيقها؟ وهل للجذب علاقة بذلك؟
في الحقيقة، الأمر يشبه إلى حد كبير "نظرية السيارة الحمراء"، فعندما تنصُب تركيزك على أهدافك المُرفقة بالصور والتفاصيل، فكأنما تُعيد برمجة عقلِك نحو تحقيق تِلك الأهداف المُرفقة، فيصبح عقلك صائد جوائز يترقب أي فرصة تشبه أهدافك، أو تقودك لها. شخصيًا أراها تقنية ناجحة لتصفية عقلك وتوجيهه نحو ما ترغب به حقاً، فلا تنجرف وراء المشتتات التي لا تُضيف لك في النهاية.
ورغم أنّ الفكرة تُقدَّم اليوم بمسميات براقة، إلا أنها موجودة منذ الأزل في تعاليم الإسلام وممارساته، كما في الحديث القدسي: «أنا عند ظنّ عبدي بي»، فنلاحظ أن دين الإسلام قد حثّ على التفاؤل، وحسن الظن بالله، وتوقّع الأفضل والخير في جميع أمور العبد. ثم نرى عظمة ذكر اللّه وتبجيله، وحمده على نعمه الظاهرة والباطنة. أو كما أطلقت عليها العلوم الحديثة: تمارين الامتنان، رفع التردّدات، الاستحقاق.. وغيرها من المسميات.
وقد لخّص القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧]. كل هذا وأكثر من معتقدات، وبحوث، وتجارب، ومسميات حديثة، اختصرها الإسلام في كمال تعاليمه كروتين حياة وأوامر ترفعنا في الدنيا والآخرة.
شاركنا تعليك من هنا