عندما تعرضت لوعكة صحية ألزمتني البقاء في المنزل لفترة زمنية قصيرة، لم أعتقد أن تلك المدة ستؤثر عليّ لكوني شخص (بيتوتي) يميل لفكرة المنزل. لكن بمجرد أن أدركت أن بقائي كان ناتجًا عن توجيه صارم، تحول المنزل الحنون في نظري، والذي كنت أستطيع البقاء فيه لعدة أيام دون ملل، إلى سجن خانق، وددت الفرار منه في أسرع وقت ممكن. أما فناء المنزل، الذي كان يشكو من هجراني، فقد أصبح جنة غناء، مليئة بالمغريات للخروج، رغم أنه في أيام عدة كان يلوح لي مستجديًا التفاتة عابرة.
هذا السيناريو، الذي يعكس الرغبة في كسر القوانين واندفاعي نحو فعل الممنوع، تكرر لي في مواقف متعددة ومن أشخاص مختلفين حولي. فعلى سبيل المثال، كانت الشكوى الأكثر ترددًا على مسمعي من الأشخاص الذين يرغبون في اتباع نظام غذائي صحي، إلى جانب عدم قدرتهم على الالتزام هي عودتهم إلى تناول الطعام بشراهة أكبر مما كانوا معتادين عليه بمجرد أن يسمحوا لأنفسهم بكسر ذلك النظام.
فسر عالم النفس جاك بريهم هذه المفارقة الغريبة في تكويننا النفسي تجاه الرغبة في الممنوع من خلال نظرية الارتداد النفسي، أو ما يُعرف أيضًا بـ “تأثير الفاكهة المحرمة". تنص النظرية على أن الشعور بفقدان الحرية أو تقليص الخيارات يحفز فينا رغبة قوية لاستعادة تلك الحرية، حتى لو أدى ذلك إلى اتخاذ قرارات ليست في مصلحتنا. أُطلق على هذا التأثير مسمى "الفاكهة المحرمة" لأنه يعكس كيف أن مجرد منعنا من شيء معين قد يجعله أكثر جاذبية في نظرنا، وبالتالي نصبح أكثر إصرارًا على الحصول عليه. وتم صياغة المصطلح استنادًا إلى قصة آدم عليه السلام، حيث كانت الرغبة في الممنوع السبب وراء أول معصية وخطيئة بشرية.
تُعرف فترة المراهقة بأنها الفترة التي يظهر فيها سلوك التمرد والميل لكسر القوانين، فارتبطت فكرة الرغبة بالممنوع بهذه الفترة. ومع ذلك، هناك دراسات وأساطير عدة تثبت أن الرغبة في الممنوع واستعادة الحرية المسلوبة (حتى وإن كان سلبها يصب في مصلحتنا)، هو سلوك بشري فطري ينشأ معنا منذ الصغر. في دراسة أجريت في مدرسة ابتدائية على عدد من الأطفال، تم من خلالها تسليط الضوء على العلاقة بين القيود وزيادة الرغبة في الممنوع. عُرض على الأطفال إعلان ترويجي لمنتج غذائي صحي وإعلان آخر لمنتج غير صحي (حلويات)، ثم تم قياس مدة النظر وتغيرات بؤبؤ العين باستخدام تقنية تتبع العين، إضافة إلى سؤال الأطفال عن مدى سماح الأهل لهم بتناول الحلويات. أظهرت النتائج أن الأطفال الذين لا يُسمح لهم بتناول الحلويات في المنزل يظهرون استجابة عاطفية أكبر عند التعرض لعناصر غير صحية، مما يشير إلى أن القيود قد تؤدي إلى زيادة الرغبة في هذه المنتجات.
فهم طبيعة النفس البشرية وتكوينها هو واحدة من أكبر النعم التي وُهبت لنا لنتخطى من خلالها رغباتنا وأهواءنا التي لا تكون في صالحنا. وعيك بوجود "تأثير الفاكهة المحرمة" يقيك من أي رد فعل نفسي قد يحملك على إلحاق الضرر بنفسك. لذا، في المرة القادمة التي تشعر فيها برغبة قوية فيما مُنع عنك، تذكر أنه مجرد رد فعل نفسي قابل للترويض، وأن التحكم به يتطلب الوعي والاستيعاب.
شاركنا تعليقك من هُنا