ماذا لو كان الشيء ذاته الذي يدفعك لتحقيق النجاح، هو ما يحرمك السعادة؟
تعزو ظاهرة روزبد سعينا المستمر نحو النجاح دون تحصيل السعادة إلى صدمات الماضي أو الفقد، أو الجروح العاطفية غير المعالجة، التي تصبح المحرك الخفي وراء طموحنا. ذلك النقص أو الاحتياج غير المشبع في مرحلة مبكرة من الحياة قد يُشكّل دافعًا صامتًا في داخلنا، يدفعنا لإثبات قيمتنا من خلال الإنجاز أو نيل التقدير.
ورغم أن هذا الدافع يقودنا أحيانًا إلى التفوق، إلا أنه غالبًا ما يُبعدنا عن السلام، وعن المعنى، والفرح.
قد يبدو المفهوم فلسفيًا، إلا أنه يتجلّى بوضوح مؤلم في تفاصيل حياتنا اليومية. ومن أبرز تمظهراته الحديثة ما يُسميه الفيلسوف آلان دو بوتون: قلق المكانة.
ما هو قلق المكانة؟
قلق المكانة هو القلق المستمر من أننا لا نرقى إلى التوقعات — اجتماعيًا، مهنيًا، ماديًا، أو بأي شكل آخر. هو الشعور بأننا لسنا ناجحين بما فيه الكفاية، ولا محبوبين بما فيه الكفاية، ولا مُنجزين بما فيه الكفاية. يظهر هذا القلق حين نقارن أنفسنا بالآخرين، فنشعر بأننا أقل منهم.
يصف دو بوتون قلق المكانة بأنه:
"قلق شديد، كفيل بإفساد فترات طويلة من حياتنا، يجعلنا نشعر بأننا فاشلون في التماشي مع معايير النجاح التي يفرضها علينا المجتمع."
في جوهره، قلق المكانة هو مشكلة معنى. فالمعنى هو القصة التي نحكيها لأنفسنا عن ذواتنا. وإن لم نتعلم كيف نروي قصة عطوفة أو منصفة عن ماضينا الصعب، سنعيش بإحساس دائم ومُنهك بأننا لسنا كافيين، وأننا لا نستحق مكاننا في هذا العالم، وأن علينا إثبات أنفسنا باستمرار.
هذه القصة — أو غيابها — هي ما يغذي قلق المكانة.
ثلاث علامات تدل على أنك تعاني من قلق المكانة:
1. تسعى دائمًا لمجاراة الآخرين
قد يكون "الآخرون" جيرانك، زملاءك، أصدقاءك، أو حتى من تتابعهم على وسائل التواصل. ويبدو وكأنهم يمتلكون كل شيء: الوظيفة المثالية، السيارة الفاخرة، البيت الأنيق، والإنجازات المتتالية.
إذا كنت تقيس قيمتك عبر المقارنة بهم، فأنت على الأرجح عالق في فخ المكانة. فالمسألة هنا لم تعد طموحًا، بل أزمة هوية. إنها مشكلة أن يصبح شعورك بالكفاية معتمدًا على مقاييس خارجية.
2. أنت عالق في حلقة الإنجاز المستمرة
تحقّق هدفًا. تحتفل — لوهلة. ثم يزول الشعور، ويبدأ ذهنك في التطلع للخطوة التالية: مزيد من العملاء، لقب وظيفي أفضل، جائزة أخرى.
هذا ما يُعرف بالتكيّف التلذذي: ميلنا النفسي للعودة إلى مستوى ثابت من السعادة حتى بعد الإنجازات الكبرى. حين تكون عالقًا في هذه الحلقة، لا يمنحك النجاح سلامًا دائمًا، لأن الهدف لم يكن الإنجاز بذاته، بل التقدير الداخلي الذي كنت تأمل أن يصاحبه — لكنه لا يأتي.
3. النجاح لا يجعلك أكثر سعادة
تصل إلى قمة جديدة. تحقق المزيد. تُعجب الآخرين. ولكن بدلًا من الشعور بالراحة، تشعر بثقل. وبدلًا من الفخر بما أنجزت، تشعر بضغط للحفاظ عليه أو تجاوزه.
نرى هذا مرارًا لدى المتميزين، أصحاب الأداء العالي، وحتى المشاهير؛ أولئك الذين نعتقد أنهم يملكون كل أسباب السعادة، ومع ذلك، يحملون حزنًا خفيًا أو شعورًا داخليًا بالنقص. سعوا طويلًا وراء القبول، ليكتشفوا في النهاية أنه لم يمنحهم الشعور بالاكتفاء.
حين لا يمنحك النجاح الرضا — حين لا تشعر بالفخر أو الهدوء أو السعادة — فأنت لا تطارد أهدافًا. أنت تهرب من أشباح.