في العالم الرقمي اليوم، تغيّرت مفاهيم عديدة وغابت عنا بعض التفاعلات الإنسانية قسرًا. فمن المؤكد
أنك مررت بموقف وجدت فيه نفسك ضحية لسوء فهم رسالة
أرسلتها لأحد أصدقائك بنيّة المزاح، لكنها بدت
وكأنها توبيخ لاذع بسبب غياب ملامحك الإنسانية
ونبرة صوتك العفوية وإيماءاتك التي تضيف عمقًا
لمشاعرك. فجأة تجد نفسك مضطرًا لشرح رسالتك عبر
سلسلة من التوضيحات، أو ربما كنت أنت الطرف الآخر
الذي أساء الفهم وتلقى سيلًا من التبريرات حتى
استوعب المغزى الحقيقي.
رغم أن التكنولوجيا تهدينا فرصًا للتواصل وتقرب لنا المسافات البعيدة، إلا أنها غالبًا ما تضعنا أمام
معضلة غياب الجوانب الإنسانية. هذا النقص يدفعنا
للبحث عن حلول تتيح لنا استعادة تلك الأبعاد، وهنا
ظهر مصطلح "التعاطف الرقمي" الذي يشير إلى مهارة
تمكن أصحابها من إيصال مشاعرهم للطرف الآخر من
خلال الرسائل النصية فقط، وتمنحهم القدرة على خلق
مساحة ودية ومفهومة حتى في غياب النبرة والتعابير
التي تسهّل عادةً تواصلنا في الحياة الواقعية.
قد يتبادر
إلى ذهنك أن الاهتمام بمثل هذه التفاصيل أمر مبالغ
فيه، إذ يمكننا توضيح نياتنا بكل بساطة. لكن
أهميتها تتجلّى بشكل خاص في التعاملات الرسمية
التي تتطلب تواصلًا أكثر فعالية ضمن وقت محدود.
تبنيك لمثل هذه المهارة يمكن أن يخلق لك فرص عمل
أفضل من خلال إيصال دفء وحقيقة شخصيتك بدلًا من
الرسائل الجافة الصلبة التي لا تحمل في طياتها أي
تعبيرات تصل للطرف الآخر. إضافةً إلى ذلك، فإن
أغلب تعاملاتنا اليوم تتم عن طريق الرسائل النصية
في مختلف جوانب حياتنا، وأحيانًا قد نغفل أننا
نتعامل مع أشخاص حقيقيين بمشاعر تحتاج
منا إلى تقدير وتعاطف.
إذًا، كيف
نبني هذا النوع من التعاطف ونخلق بيئة رقمية أكثر
إيجابية؟
-
انتقي كلماتك: الكلمات هي
وسيلتنا الأساسية للتعبير، ولكن تلك المسؤولية في
مراقبتها وانتقائها تتضاعف عند كتابة الرسائل
النصية. حاول أن تنتقي كلمات واضحة ومباشرة، إضافة
إلى أن استخدام كلمات تعبيرية قد يضفي طابعًا
إنسانيًا على المحادثة.
-
تأنَّ قبل
الرد: أثناء خوض المحادثات النصية،
تغيب عنّا الصورة الكاملة للمشهد وقد لا نتفهم
مشاعر الطرف الآخر. فلو وصلك شعور بالغضب أو الحزن
أو التعدي من خلال رسالته، حاول التأني قبل الرد،
وتبين ذلك من خلال سؤاله عما إذا كان الشعور الذي
تلقيته من رسالته صحيحًا. هذه الطريقة يمكن أن
تجعل تواصلنا أكثر وعيًا وتعاطفًا.
-
افهم السياق: القراءة السريعة قد
تؤدي إلى سوء الفهم. تأكد من قراءة الرسائل كاملة
لفهم السياق والمغزى قبل الرد.
-
أظهر التقدير والامتنان: في
المحادثات الرقمية، وخصوصًا في مجال التعاملات
الرسمية مع زملاء العمل، قد يشعر الطرف الآخر بعدم
التقدير إذا لم نعبر عن امتناننا بوضوح. إضافة
عبارة شكر بسيطة أو ملاحظة تقدير يمكن أن تعزز
العلاقة وتخلق ارتباطًا إيجابيًا في المحادثات
المستقبلية.
-
ردّ في الوقت الذي يناسبك، لكن لا تبالغ
في الإطالة: حاول أن تخصص وقتًا للرد
على الرسائل بما يتناسب مع مزاجك، دون
مبالغة في التأخير. التزامك بالرد على الرسائل في
وقت معقول يعكس احترامك للطرف الآخر ويقلل من
التوتر الناتج عن الانتظار.
من المفارقات المثيرة
للسخرية أن الإنسان الحديث يجد نفسه مضطرًا لإعادة
الإنسانية التي سلبتها منه الحداثة، ليضفيها على
الأشياء من حوله حتى لا يكون هو ومن حوله ضحايا
لغياب التواصل الإنساني، فيعتاد ذلك الجفاء الذي
يجعل الحياة أكثر برودة وبعدًا عن المعنى. هنا
تبرز أهمية مهارة التعاطف الرقمي، كفرصة حقيقية
لإعادة إحياء
دفء العلاقات الإنسانية وإضفاء روح التواصل، حتى
في ظل غياب اللقاءات المباشرة.
شاركنا تعليقك من هُنا