الوابي سابي !
قضى الإنسان فترة طويلة جدا من حياته برفقة الطبيعة، وكان لذلك انعكاس واضح على شخصيته وعقله ونظرته للحياة؛ فالبيئة التي يعيش فيها بعواملها الطبيعية تخلق مزاجه وفلسفته للحياة، فعلى سبيل المثال عانى اليابانيون من قسوة الطبيعة وخصوصًا الزلازل المدمرة، وهذا ما جعلهم في حالة إستعداد للخسارة ولإعادة ترميم ماتعرض للكسر بسبب فعل الزلازل. فما تملكه اليوم قد يذهب ويتحطم في الغد!، وما تحطم بإمكانك إصلاحه والقبول به والتسامح معه؛ وهذه السياسة المرنة أسهمت في صناعة فلسفة حياة تعرف بالوابي سابي Wabi-sabi والتي تقوم على ثلاث ركائز مهمة وهي:
-لا شيء يدوم
-كل شيء في حالة تغير
-لا شيء كامل
ومن الواضح أن الطبيعة كانت العامل المهم في تشكيل هذه الركائز الثلاث لفلسفة الوابي سابي، فعندما يضرب الزلزال تتغير التضاريس وتختفي مباني فلا شي ثابت في قانون الطبيعة القاسي وكل شي في حالة تغير مستمر، ويجب على الإنسان أن يقبل بالعيوب التي طالت المباني وممتلكاته المادية بسبب فعل الزلازل فلا شي كامل.
إنطلق اليابانيون في رحلة لترميم منازلهم وممتلكاتهم المادية ووصلت في نهاية المطاف لترميم الإنسان، فالحلول التي صنعوها لمعالجة كسور الأواني الفخارية وذلك بإستخدام مواد لاصقة ممزوجة بالذهب إنتهت لخلق فلسفة كينتسوغي Kintsugi. وهي تقوم على فلسفة الوابي سابي وذلك إنطلاقاً من الركائز الثلاث التي اشرنا إليها فلابد من أن يرمم المحطم والقبول به وإعتبار ماحل به جزء من طبيعة الحياة. على الرغم من أن ابتكار ترميم الأواني الفخارية المتحطمة كان حل ابتكره الصناع لحل مشكلة تتكرر بسبب فعل الزلازل؛ فقد أمتد الأمر لإعادة ترميم حياة الإنسان ونفسيته فالعيوب والماضي يجب أن نقبل بها ولاحاجة لنبذها لمجرد حصول تشوهات وكسور.
من المحتمل أن انغماسنا في حياة الاستهلاك انعكس سلباً على كل شي بمحيطنا، فقبل ظهور نمط الاستهلاك كان أمل الإنسان كبير في إعادة إصلاح ما انكسر، ومع نمط الاستهلاك وجدت الشركات إن فوائدها في دفع الزبون لشراء سلعة جديدة اكبر من إعادة إصلاح السلعة القديمة، وتسربت هذه الثقافة لعاداتنا من حيث لانعلم؛ مما نتج عنه علاقة إنسانية استهلاكية. فعندما تتعرض الصداقة لخدوش نستبدل الأصدقاء بأشخاص جدد وكأننا نستبدل قطعة “تيشيرت” جديدة بأخرى بالية!. نحتاج للتوقف وإعادة النظر في أفكارنا التي تحرك تصوراتنا وأحكامنا، والقبول بفكرة إعادة الإصلاح والترميم.
ومن الممكن أن تساعدنا فلسفة كينتسوغي التي تقوم على قبول الشي وإعادة تأهيله واعتبار العيوب وعوامل الدهر أمر حتمي. على العكس من فكرة “اللي ينكسر مايتصلح” فكل كسر يمكن إصلاحه إذا أمتلك الإنسان رؤية وعزيمة. فكما كانت الزلازل تحطم الأواني والمباني فالحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية قد توغل في تحطيم الإنسان وكل ماعلينا فعله هو إن نعيد ترميم حياتنا ونصلح المكسور ونقبل به.