لـ مودة النحوي
اعتاد البعض الإبحار في تجارب الآخرين قبل الغوص في تجربة ما؛ خوفًا من الغرق، فأصبح هذا الخيار الأمثل والأكثر أمانًا أمام تجارب الحياة بشتى أنواعها المختلفة، حيث إن سماع سير تجارب الغير تساعدهم في اتخاذ قرار الغوص أو التراجع عنه. فكرة رحلة الإبحار هذه في حد ذاتها تبدو آمنة، فمن خلال الإبحار في تجارب الغير قد نتمكن من تقييم مستوى عمق المياه، سلاسته، برودته، وشدة الرياح؛ من أجل التأكد من جاهزيتنا التامة للغوص في تجاربنا الخاصة.
ولكن في الجانب الآخر، ماذا لو أدركنا اختلاف آلية سير تجارب الآخرين؟ أسلوب غوص مختلف، معدات مختلفة، زمن مختلف، عمق مختلف، بالإضافة إلى عدم إتمام مرحلة التدريب. قد تكون حينها نسبة الانتفاع من الإبحار في تلك التجارب ضئيلة. الموجز في الكلام أن العوامل المؤثرة في فاعلية تجاربنا كأفراد عديدة، وكل عامل له دور مهم في تشكيل كل تجربة على حدة.
تخيل معي، أنت الآن مقبل على تجربة جديدة، مرحلة جديدة في حياتك، وعلمت مؤخرًا أن أحد زملائك قد خاضها مسبقا، علمًا بأنه قد اتبع الأسلوب الذي يناسبه هو، يناسب شخصيته، يتماشى مع أفكاره، سلوكياته، وآرائه، واتضح أن التجربة انتهت بشكل غير مرضٍ بالنسبة له. وبحكم أن هذا الشخص قد خاض التجربة ذاتها من قبل، اخترت أنت أن تبحر في تجربته، تحكم عليها من خلال عدسته، وتقف في زاوية تحجب عنك الرؤية الواضحة. سرده للتجربة ورأيه فيها سيكون بناء على خطة سيرها الخاصة به، وكيفية تعامله مع تحدياتها، وعلى الأرجح سيذكر مدى صعوبتها. في هذه الأثناء ستشتد الرياح، وسرعان ما ترتفع الأمواج، وتؤدي إلى بناء حواجز من الخوف، القلق، والتردد بداخلك، إلى أن تشير إلى مدى صعوبة الغوص في هذه التجربة.
تأكد تمامًا أن كل شخص يغوص في بحر «التجربة» بشكل مختلف، لكل منا أسلوب مغاير وفريد في التعامل مع أمور الحياة، نحن نسلك مسارات مختلفة عن بعضنا البعض في مختلف تجارب الحياة، مسارات تتماشى مع شخصياتنا، وأنماط حياتنا، ونتبع خريطة مرسومة على الأولويات خلال هذه الرحلة. هذا لا يعني بالضرورة أن المسارات هي المسؤولة عن النتيجة، بل طبيعة الفرد هي المسؤولة عن ذلك، فهناك من يسلك مسارًا يساهم في إنجاح تجربته، بينما هناك من يسلك المسار ذاته ويصادف عدة عقبات خلاله.
من الطبيعي جدًا أن يشعر المرء بالخوف، ولكن برأيي أن الخوف المبني على تجارب الآخرين لا يمت إلى المنطق بصلة، فالخوف حكم مسبق غير منطقي، أنت لم تجرب بعد، لم تختبر قدراتك، لم تر أعماق المحيط بعينيك، فكيف تحكم على التجربة قبل التجربة بالفعل؟ لا توجد تجربة يسيرة بالكامل، حتى وإن سلكت المسار السليم أثناء خوضها، من المحتمل أن تواجه بعض الصعوبات، ولكن ستجد الحلول الملائمة، ماهيتك لها دور مهم في التعامل مع هذه التحديات، واستمراريتك في محاولة فهم طبيعة التجربة ستصل بك إلى النتيجة المرضية.
لا بأس في أن تبحر في تجربة غيرك إن أردت ذلك، ولكن احذر الغوص فيها حتى لا تفسد لذة الغوص في تجربتك، أخفض توقعاتك بشكل تام حول احتمالية تشابه تجربتك مع تجربة شخص آخر، إياك والتراجع عن الانطلاق في أي تجربة نظرًا لإخفاق شخص ما فيها، نجاحك محتمل وإخفاقك أيضًا محتمل، ولكن لا تجعل تجارب غيرك مقياس لمدى قابلية نجاحك فيها بشكل مطلق، فأنت بدورك تثبت أي الاحتمالات ممكنة. أبحر في تجربتك الخاصة، ضع توقعاتك وقيم الأمر بناء على ذاتك، استمتع بمتعة التجارب الجديدة، أخرج من منطقة الراحة، واترك مجالًا لظهور عنصر المفاجأة وابدأ رحلتك الخاصة.
دائمًا ما أفضل خوض التجارب بنفسي، ودائمًا ما أحاول صنع رحلة خاصة بي في أي تجربة جديدة أنهيها بمعرفة وإجابات مبنية على ذاتي، من المهم أن ندرك أن كل فرد يملك تجربة خاصة به، مبنية على حياته، أفكاره، وأسلوبه، أولوياته، فلسفته، وتحليلاته، فهذا بدوره يبين لنا أن تجارب الآخرين لا تملك الصورة الأمثل لنا لاتخاذ أي قرار يخص ما نحن مقبلون عليه. في الواقع، بعض تجارب الآخرين قد تحمل فوائد جوهرية، ولكن خذ الفائدة منها على بعد مسافة آمنة، وضع بعين الاعتبار أن طبيعة كل فرد تصنع تجربته الخاصة.