جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

وباء التصفح اللانهائي
3 تشرين الأول
التكنولوجيا والتحول الرقمي

وباء التصفح اللانهائي

3 تشرين الأول

|

التكنولوجيا والتحول الرقمي
بدعم من

يمكن لأي أحدٍ أن يلاحظ حجم التغيير النفسي الذي تعرض له من بعد سنة (2020)، السنة التي نتداولها بمسميات كثيرة مثل «سنة كورونا» و «سنة الأزمة» و«سنة بداية أحلام العصر» وغيرها من المسميات الساخرة. اتفق أغلب الناس على أن الحياة بعد تلك السنة ما عادت كما في السابق، ولو سألتك عن سبب هذا التغيير في صحتنا النفسية والعقلية فإن أول ما سيتبادر إلى ذهنك على الفور هو الجائحة وما تبعها من أحداث. لكن هل سألت نفسك إذا كان هناك من مسبب آخر لهذا التغيير؟

 

تذكر تلك الأيام التي اضطررنا فيها للجلوس في داخل المنزل لا نملك منفذًا للخروج إلا عبر هواتفنا؟ فأصبح الاعتماد عليها شبه كلي في جميع مصالح الحياة. هل تتذكر ذلك الصديق الجيد الذي ظهر دون مقدمات في حياتك حينها، الصديق يُدعى «تيك توك»؟

   

ما علاقة «تيك توك»بفترة كورونا وكيف كان له تأثير كبير على صحتنا العقلية؟

بحسب الدراسات فإن تطبيق (TikTok) شهد ذروة الشهرة في الربع الأول من سنة (2020)، حيث بلغ عدد التنزيلات أكثر من (313.5) مليون تنزيل خلال تلك الفترة وهي تقريبًا الفترة ذاتها التي بدأ فيها الحجز المنزلي.

 

اعتمد تطبيق (TikTok) في آليته على تمكين المستخدم من صناعة فيديوهات قصيرة ومشاهدتها، مدة الفيديو لا تزيد عن (60) ثانية في الغالب، إضافة إلى اعتماده أيضًا على خاصية التصفح اللانهائي للفيديوهات، وهي خاصة تمكنك من التنقل بين مقاطع الفيديو ببساطة عن طريق تمرير الإصبع على الشاشة دون الحاجة إلى الضغط على زر أو الانتظار لتحميل صفحة جديدة.

 

تلك الميزة مكّنت المستخدمين من استهلاك العديد من الفيديوهات في وقت قياسي بمختلف محتوياتها، فلعبت دورًا في التغيير النفسي والعقلي الذي لاحظناه في السنوات الأخيرة على أنفسنا. رغم أني كنت من الناجين من موجة الــ «تيك توك» إلا أنني والعديد ممن ظنوا أنهم نجوا لم ننج من خاصية الفيديوهات القصيرة، فبعد أن نال «تيك توك» شعبيةً واسعةً حول العالم حذت بقية منصات التواصل الاجتماعي حذوه، فأضافت تلك الخاصية وإن اختلفت المسميات بين «ريلز» و«شورتز» و«سبوت لايت» على منصاتها.

 

لعل كثيرًا من الآثار التي تسببت فيها خاصية الفيديوهات القصيرة بادية بشكل أو بآخر في أيامنا الطبيعية، آثار نلاحظها في أنفسنا أو لا نلاحظها، مرورًا بالتقلبات المزاجية، إذ خلقت تلك المقاطع القصيرة بمحتوياتها المختلفة دوامة من المشاعر المختلطة دون حدود في أقل من دقيقة، وقد لاحظتُ شخصيًا ذلك عندما شاهدتُ «ريل» حزين أشعرني بالاستياء ليقفز «ريل» آخر يليه يضحكني بصوت مرتفع، حينها أدركت حجم التغيير المزاجي السريع الذي حصل لي في دقيقة.

 

كما لاحظت عند مشاهدتي للأفلام مع أصدقائي أو أفراد أسرتي أنه لم يكن بوسع أي منا أن يكمل الفيلم دون أن يتوقف لدقيقة للتنقل بين مقاطع الفيديو القصيرة على هاتفه الجوال رغم أنه كان هناك وقت مخصص للاستمتاع والمشاهدة إلا أن تصفح مقاطع الفيديو القصيرة كان له سيطرة أكبر على بث المتعة بداخلهم.

 

ويزعم الخبراء أن تدفق الدوبامين الناتج عن مشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة اللانهائية يجعل من الصعب على المشاهدين من الجيل الشاب تحويل انتباههم إلى مقاطع فيديو أطول أو أنشطة تتحرك ببطء أكثر.

 

أضف إلى ذلك أن تلك المقاطع القصيرة تودع قلة الصبر والتشتت في الأذهان، فلم يعد باستطاعة الفرد أن يشاهد مقطع فيديو يحوي معلومات لأكثر من (10) دقائق لأنه اعتاد أنه بمقدوره التنقل بين (10) مقاطع قصيرة بمختلف مواضيعها ومشاعرها في مثل تلك الفترة أو حتى أقل فأصبح من الصعب التركيز في شيء واحد بمحتوى واحد لوقت طويل.

 

مقاطع الفيديو القصيرة ليست سيئة على الأطلاق ففي أكثر الأحيان هي مصدر رزق لأصحاب المشاريع، ومصدر تحفيز في مختلف المجالات، وقد تكون مصدر معلومات مفيدة أيضًا، لكن كيف يمكننا الاستفادة منها دون أن نجعل لها تأثيرًا على صحتنا النفسية والعقلية؟

 

جرب أن تكون أكثر وعيًا بمشاعرك أثناء مشاهدتك لمقاطع الفيديو القصيرة، سيساعدك ذلك على ملاحظة تأثيرها فإن لاحظت أثناء تصفحك أن لها تأثيرًا سلبيًا على مزاجك فمن الأفضل أن تتوقف عن التصفح على الفور.

 

وعند مشاهدتك لمقطع فيديو قصير يتحدث عن موضوع آثار فضولك لا تعتمد على معلوماته فقط وحاول أن تتعمق وتبحث عن الموضوع من مصادر أكثر وتجذب اهتمامك لوقت أطول مثل قراءة كتاب عن نفس الموضوع أو مشاهدة لقاءات أو أفلام وثائقية تتحدث عنه، ستذهل من كم المعلومات الهائل الذي أُختزل في فيديو قصير لا تتجاوز مدته دقيقة وقد تجد ما أنت شغوف به أثناء بحثك.

 

وإذا كنت تعاني من أي مشكلة أخرى تتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فلا تتردد في البحث عن الطرق التي قد تساعدك للتخلص من تلك المشكلة أو سؤال المختصين في مجال الصحة النفسية.

 

وجرب أن تتصفح بوعي أكبر، بالعادة نحن نتصفح لمجرد التصفح أو ما يدعى بالتصفح اللاواعي، نتنقل بين الصفحات والفيديوهات بدون هدف، جرب أن تُمسك بهاتفك الجوال وأنت تعلم ما هو المحتوى الذي ستطلع عليه وما هي المنصة التي ستساعدك للوصول إلى هذا المحتوى بسرعة أكبر.

 

 لم تكتب هذه المقالة بهدف محاربة هذا النوع من المحتوى فكما ذكرت سابقًا هي كنز ثمين ومفتاح لفرص عديدة وبوابة لعوالم مختلفة لكن لا تجعل من نفسك أسير لها فيهدر وقتك ويضعف تركيزك وتنحسر متعتك، فتصبح سجين لمتعة واحدة خالية من الحياة.

 

 

32
0
اشتراك
تنبيه
guest

2 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

مرئي جدًا
24 تشرين الأول

|

العلاقات
وقت القراءة: 6 دقائق
ميكانيكية القلق، حوار بين حريشة وأرنب
8 نيسان

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 4 دقائق
الركض للتغلب على الألم
14 أيار

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 5 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً