كن كما أنت بيننا ونحنُ سوف نُرحب بك دائمًا بكل سرور، أنت هنا ونحن نراك بعين الحب والاهتمام، أنت ستُخطئ وتتعلم ونحن سنتجاوز وندعمك، أنت سوف تعطي ما بوسعك ونحن سوف نُقدر جهدك وسعيّك. هذه الكلمات التي تليق بـ «شعب الزولو».
من جنوب أفريقيا وفي عمق قبائل «ناتال» يشعر الكل في مجتمع الزولو بقيمة وجوده في الحياة الواسعة، وبمكانته الاجتماعية بين مختلف الأشخاص والطبقات، وأنه مقبول بأدق تفاصيله وعيوبه مُتجاوز عنها ولا يمكن أن يُعاير عليها في قادم الأيام.
يمتاز شعب الزولو بعين التقدير التي تحرص على النظر إلى كل فرد، والأهم أن تشعرهم بـــ «نحن نراك، أنت هنا». بعضُنا يفتقر إلى هذه العين، بالطبع ليس عن قصد؛ ولكن نستطيع القول إن المجتمع والحياة جعلته ينسى أن يُقدّر ويمتن لكل إنسان حوله، عائلته وأصحابه.
وفي الواقع ليس من الضرورة أن يكون هناك أمر خارق وضخم يلفت انتباهك ويجعلك تنظر إليهم، بل كن ممتن على أبسط الأمور. ولو نستدرك أن مجتمع الزولو يرددون: «ساوبونا» كتحية، نجدهم باستمرار وحالة دائمة يذّكرون بعضهم ويرسخون في عقلهم فكرة «أنا آراك، أنت في محل الاهتمام والتقدير لي».
هذه من الأسباب التي جعلتهم يمتازون بهذه العين عن غيرهم؛ لأن لا أحد منهم ينسى أن يُشعر الذي أمامه بقيمته وأهميته. ويرد أهل الزولو على تحية ساوبونا بـ «شيكوبا»، بمعنى أنا موجود لأجلك وأشعر بالارتياح لذلك، وبالمثل الاهتمام متبادل بينهم، فيكون شعب الزولو فخور لتواجده من أجل مجتمعه.
لا أتخيل حجم الإنتاجية للفرد عندما يشعر بقيمته وأنه مرئي بين الجميع، تخيّل العدد الهائل من المبدعين والمفكرين والعباقرة والآباء والأبناء الذين لا ينتجون بسبب شعورهم بعدم التقدير، ذلك لا يقتصر على الحياة المهنية إنما العائلية والاجتماعية وأيضًا في بناء الشخصية. لا يستطيع كل فرد مجابهة عدم التقدير لوحده، أن يُلقي على نفسه بشكل متكرر كلمات التحفيز والدعم دون أن يجد تقديرًا وامتنانًا حقيقيًا من الآخرين. صحيح أنه توجد فئة قادرة على أن تغلب كل العقبات والصعوبات والتهميش لوحدها، لكن ليس المعظم.
فالكثير منا ينتظر أن يُنظر إلى عينيه وليس يديه. بمعنى أن الجميع يتوقع عطاء من الشخص دون محاولة النظر إلى روحه، وكل ما في الأمر الإنسان فقط ينتظر أن يُرى ليقدّر كي يستطيع أن يتجاوز كل التحديات ويُقدم أفضل ما لديه.
عندما قرأت كتاب «لو كان بإمكاني إخبارك شيئًا واحدًا فقط» للكاتب «ريتشارد ريد»، لا أتذكر المدة التي تأملتُ فيها الكلمات عن مجتمع الزولو وتحيتهم المتعارفة بـساوبونا. لكن كانت المدة كافية بأن تجعلني أدرك كم كنت عمياء عن كل شخص كان بإمكاني أن أجعله يشعر بأهمية وجوده فقط بمجرد النظر الى عينيه والابتسامة في وجهه.
هذه الحركة كفيلة بأن ترسم البسمة. من أنا لكي أبخل بها؟ الشخص الذي يصنع لي قهوة الصباح، أو الفتاة التي في المحل وتنصحني بشراء المنتج، أو الذي يُقدم لي العشاء بعد يوم طويل ومُتعب، وحتى الأطفال الذين نصادفهم ولا نعرف أسماءهم، والعائلة التي نعيش معها تحت سقف واحد. النقاء الحقيقي أن تجعل كل انسان يشعر بقيمته، حتى لو لم تكن تعرفه شخصيًا؛ لأنه وبالنهاية نحنُ واحد، لا المال ولا المناصب ولا أي من الأمور المادية ستجعلنا مختلفين عن بعضنا. كل انسان يحمل كمية عواطف بداخله تجعلنا متشابهين.
التحية لدينا: أهلا، كيف حالك؟
صحيح أننا لسنا شعب الزولو ولكن نستطيع أن نتميز بأسلوبنا في إلقاء التحية من خلال نبرة الصوت أو لغة العيون أو الجسد. احرص على أن تُظهر التحية بكامل اهتمامك لأي شخص تريد أن ترحب به. كل تلك الأشياء الصغيرة في الواقع ليست بسيطة بل لها تأثير كبير على كل فرد. فلا أحد يعرف ما رآه أو يعيشه الآخر، فلنترك أثرًا لطيفًا ولو بشكلٍ طفيفٍ مثل «سبرنكلز» على يومه.
عندما أغضب دائمًا ما أردد دون أن أدرك: «هل أنا مرئية». تأتيني لحظة من الصمت لأنني لا أعلم لماذا أصرخ بهذه العبارة.
بعدما قرأت عن مجتمع الزولو استدركت حاجة الإنسان إلى الشعور بأن يكون مرئيًا بقلبه وروحه، وبشكلٍ حقيقي دون أن يشرح. عندما يكون بين أشخاص يعلم بأن الجميع يهتم لوجوده بينهم وعندما يتحدث سيفهم الجميع معانيه ونظرته للأمور ومعدنه الأصيل، أن يكون مرئيًا بطريقةٍ تجعله لا يخاف أن يرتكب الأخطاء، وتجعل الآخرين ألا يتوقعوا منه أن يفعل دائمًا «الصح». أن تكون مرئيًا بمعنى أن أفكارك ثمينة تستطيع التعبير عنها بكل اريحية دون الخوف من أن يقلل الآخرون من شأنها. لسنا شعب الزولو، لكن نستطيع النظر من عين التقدير والاهتمام. جميعنا بشر في النهاية.