جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

من قتل إبداعك؟ تحليل لكتاب (من قتل الإبداع) لأندرو جرانيت
12 كانون الأول
الأبوة والأمومة

من قتل إبداعك؟ تحليل لكتاب (من قتل الإبداع) لأندرو جرانيت

12 كانون الأول

|

الأبوة والأمومة

كانت ابنة أختي ذات الستة سنوات تقارن مرارًا بين المدرسة والروضة وهي تتحدث بمرارة عما تمر به. 

وسط تعاطفنا، و محاولاتنا لجعلها تتقبل روتين المدرسة الذي لا تحبه، سألتها سؤالًا: “ايش أكثر شيء زاعجك في المدرسة”، فكان جوابها: “إجاباتي دائمًا غلط ودائمًا في جواب واحد هو الصح”، فسألتها: “ما تشوفي إن في جواب واحد هو الصح؟”، تنقلت من كنبة لأخرى وهي تحاول أن تشرح لي مقصدها دون أن تتساقط دموعها قبل كلماتها: “يا خالة، معلمة الروضة كانت تقول على كل أجوبتنا (ممكن) وتخلينا كلنا نقول جوابنا!” ابتسمت لها ابتسامة التفهم، ومازالت هي كل أسبوع في تجمعاتنا تخبرني عن أمنيتها في العودة للروضة.

غلاف النسخة العربية من كتاب: (من قتل الإبداع) لأندريه وجايا جرانت.

كوني مهتمة بمرحلة الطفولة وبالتربية والتعليم، درستُ واطلعت على الكثير من المواد التي تجعلنا ننمي إبداع الطفل وعن كل ما يقتله. ومن خلال هذه المواد أدركت أن في مرحلة ما يُقتل إبداعنا وننساق لتعلم مواد تجعل مخرجاتنا متشابهة. قرأتُ حينها كتاب “من قتل الإبداع” (لـ أندرو جرانت وزوجته جايا جرانت) وفي هذه المقالة سألخص بعض ما جاء في هذا الكتاب لنفسر أسباب اختفاء ابداعنا ونستعيدُ جزءًا ولو بسيطًا منه، ولا نسلب إبداع أطفالنا.

في دراسة علمية درست حالة 1500 طفل أعمارهم تتراوح بين 3-5 سنوات أكتشف العلماء أن 98٪ من الأطفال عباقرة، ولديهم درجة عالية من الإبداع. طبقت هذه التجربة على أطفال أعمارهم ما بين 8-10 سنوات حيث لاحظوا أن نسبة العبقرية قلت لـ32٪، وطبقت أيضًا على أشخاص أعمارهم ما بين 13-25 ووجدوا أن النسب أصبحت 10٪!

وأخيرًا، قاموا بعمل التجربة على نساء ورجال أعمارهم فوق الـ٢٥ سنة وكانت نسبة المبدعين والعباقرة 2٪ فقط.

من خلال قراءة هذه الدراسة ندركُ أن الإبداع يقل كلما نكبر في السن!

وبعد أن كنا ننحاز للإبداع أصبحنا نميل للأعمال الروتينية والتفكير التقليدي؛ وهذا لأننا نُربى بطرائق متشابهة ويتم تعليمنا أمور محددة ومعينة، غير أن أهداف المدارس والجامعات هي أن تنتج مناهج تجعلنا نعتاد التفكير بطرق متشابهة لنخدم سوق العمل. 

وكما    أن    هناك    عوامل    خارجية    تؤثر     على     إبداعنا    إلّا     أن    هناك    الكثير    من     العوامل    الداخلية     تنبع      منا.

أوضح أندرو وزوجته جايا في كتابهما أن عملية قتل الإبداع تمر بأربعة مراحل، وقد تتم بواسطة شخص أو عدة أشخاص وقد تقتل بواسطتنا، كل مرحلة على حدة قادرة على تدمير وقتل مهارة الإبداع فينا، وهي:

القاتل الأول (القمع)

القمع ينبعث بواسطة جهات مختلفة أولها الرؤساء والأنظمة الإدارية، فالكثير من الموظفين لديه أفكار جيدة وهذه الأفكار ربما تخدم صاحبها ويتقدم لمستويات أفضل، فيعرض هذه الأفكار على مديره ويجب أن يوافق عليها وللأسف أن هناك مدراء ورؤساء لا يسمحون بإن يطرح الموظفين أفكارهم، ومن هنا يجد الشخص نفسه في بيئة قمعية. وكوني أختبر الأسباب في البيئة التعليمية والهيكلة الأسرية، فهناك معلمات صف لا يسمحون بأن يبدي الطالب وجهة نظره أو يناقش المعلمة في بعض الأجوبة كما حدث ويحدث حتى الآن لابنة أختي، وهناك مربيين داخل العائلة يؤمنون أن قرارات أبناءهم قائمة بناءً على وجهات نظر الوالد أو الوالدة فقط دون الأبناء هي أيضًا بيئات قمعية.

ويوضح الكاتبان بأن القمع أحيانًا يكون نابع من داخلنا بسبب الخوف، فالكثير منا لديه أفكار مبتكرة وابداعية لكنه يخاف التعبير عنها، أو يخاف الفشل أو يخاف المجازفة أو المجهول، فعلينا أن نجرب أفكارنا لنرى هل ستفشل أم ستنجح، ونتحمل تبعاتها ونجرب أفكار أخرى فـ الاستمرار والمثابرة وتحمل النتائج، هي الطريق الوحيد ليظل الإنسان مبدعًا ومبتكرًا.

القاتل الثاني (التدمير)

ضيق الأفق والتشاؤم هي أهم الأفعال التي نقوم بها ولا نظن أنها تؤثر على إبداعنا، فضيق الأفق ناتج عن التعصب ضد أي فكرة مختلفة عن أفكارنا فتقتصر نظرتنا على جانب واحد وهو جانبنا الخاص، بالإضافة إلى التشاؤم الذي نكتسبه عندما نقترب من أشخاص يرون أنهم فشلوا ولم يستطيعوا تحقيق أحلامهم، هم لا يفعلون شيئًا غير التشكيك فينا وفي قراراتنا، فكلما حاولت التقدم يخبرونك بأن الطريق أمامك مسدود. 

الفكرة هنا؛ أن لا تتوقف بسبب آراء الآخرين وأن تبحث دائمًا حتى في الأمور التي تعرفها لأنك ستجد جديدًا دومًا، وستجد أشخاص لديهم أفكار لم تزرك يومًا.

القاتل الثالث (التقييد)

 وهذا القاتل يستخدم الضغط والعزل لتقييد الأفكار الإبداعية، كثرة الأعمال التي تلقى على الموظف، وتحديد مهام متعددة في أوقات قصيرة تجعل منه فردًا مشتتًا، لا يفكر لشيء وبشيءٍ سوى العمل الملقى عليه. كل هذا يسبب له الضغط الذي يسلب منه الوقت الذي لا يعمل به شيئًا، فجميع الأعمال الإبداعية تتطلب التأمل والحاجة لأن يكون لدى الفرد وقت فراغ، ونسقط هذا على الأطفال بكثرة الواجبات المنزلية التي تلزمهم المدارس بها، فهم يقضون ساعات طويلة في المدرسة ويتابعون في المنزل العمل على ما تعلموه. هذا الضغط لا يولد إلا رغبة بالهرب من كل المسؤوليات ويسلب مساحة الأفكار الإبداعية للفرد. 

الفكرة هنا؛ أن تنتزع وقت خاص بك ولا تستلم لهذه الضغوط المدمرة.

القاتل الرابع (التدهور)

ربط الكتّاب التدهور باللامبالاة وذكروا أن من بداية الخليقة وحتى العصور الوسطى، ساد الظن أن الجروح الجسدية تشير إلى قلب دامٍ أو روح مجروحة، والجروح التي تسببها اللامبالاة تستهدف إيذاء الناس نفسيًا، ومن هنا يصاب الفرد بالافتقار إلى التحفيز لعمل أي جديد، ومن الممكن أن يثبط نفسه عن تحفيز من يحاول التقدم من حوله، ويفتقر للمبادرة فيكُفُ الفرد عن تقديم العون لنفسه ولغيره، ويصبح مفتقرًا للدافع؛ فيصبح الانسان خالٍ من الدوافع التي تحفز لديه الرغبة بأن يفكر.

والفكرة هنا؛ أن نتأمل حالنا باستمرار، وأن نكف أي مثبطات تنبع منا وقد تصل للغير.

بالرغم  من   أن   المسببات   تكثر   وتتزايد   بسبب   كثرة   مشتتات   عصرنا!

إلى   أننا   نظل   المسؤولين   عن   انتزاع   أنفسنا   من   أي   فوضى   تسبب    بقتل     أو     حصر     إبداعنا.

14
0
اشتراك
تنبيه
guest

3 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

هل نستطيع التخلي عن الآخر ؟
9 حزيران

|

العلاقات
وقت القراءة: 4 دقائق
الإنسان وتعدد الخيارات، أطلق رصاصة الرحمة!
5 كانون الثاني

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 3 دقائق
بين صفاتنا الأصيلة وتصنعنا
14 شباط

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 4 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً