جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

الصدمات‎ ‎الإبداعية،‎ ‎لماذا‎ ‎النساء‎ ‎يبدعنَ‎ ‎أكثر؟
2 كانون الأول
النفس والعاطفة

الصدمات‎ ‎الإبداعية،‎ ‎لماذا‎ ‎النساء‎ ‎يبدعنَ‎ ‎أكثر؟

2 كانون الأول

|

النفس والعاطفة

لماذا النساء يمتهنّ الإبداع أكثر من الرجال؟

خلال آخر ٧ سنوات في حياتي التي قضيتها في المجال الإبداعي و الاستشفائي لاحظت ملاحظة كانت تبدو في البداية مُجرد حدث عابر ومع تكرارها جعلتني أخوض رحلة بحث أُلزمت في نهايته بالمشاركة من غرابة النتيجة. 

لماذا غالبية المُستفيدين والمُقدمين للخدمات الإبداعية والاستشفائية نساء؟

 وهذا الإدعاء مبني على إحصائيات اطلعت عليها من قبل أهم الشركات الإبداعية في السعودية. 

في بداية الأمر، كان الجواب المنطقي الذي قدمته  إدارة تحليل البيانات في عقلي هو أن النساء عاطفيات بطبيعتهم البيولوجية، وكونهم عاطفيات يتولد لديهم سلوك مُختلف يجعل ما تقدمه شركات المحتوى الإبداعي و الاستشفائي مُغري، إضافة إلى ذلك؛ سياسة تمكين المرأة في سوق العمل خلال آخر ٧ سنوات والتي بدورها زادت من الحرية المالية لدى النساء، وجميع ما سبق يساهم في أن يصبحوا أصحاب الحصة الكُبرى للإستفادة من تلك الخدمات، هذا كله في بداية الأمر، ومع تزايد الخبرة الشخصية في المجال، والاحتكاك المُباشر بالمستفيدين، وأخذ آرائهم تجاه ما نقدمه (Feedbacks) ظهر لي أن هنالك أسباب اخرى أكثر عمقًا وتجذرًا تستحق البحث والتمحيص، وهذا مافعلته! 

شخصيات استثنائية 

سوف أسرد عليك شخصيات متنوعة لكنهم دون شك استثنائيون، ودعنا نكون دقيقين في التعبير، فالإستثنائية هنا لا تعني “غير الإعتيادية” ولكن اقصد بها شخصيات خارقة في مجالات مختلفة، تلك الشخصيات التي تركت خلفها العالم بشكل مُختلف تمامًا.

وهم،

قادة سياسيون، مثل:

نيلسون ماندليلا، جنكيز خان ،ابراهام لنكولن ،ادولف هتلر ، صدام حسين ، ياسر عرفات ، مصطفى أتاتورك ، مالكوم إكس، جون كينيدي…إلخ.  

وكُتاب، مثل:

دوستفسكي ، برتراند راسل، تولستوي ، ادغار آلن.

وفنانين، مثل:

جون لينون، لويس، ارمسترونق ، مارلين مورنو ، جوليا روبوتس… إلخ.

وعُلماء ومؤثرين، مثل:

ارسطو ، شارلز داروين ، ايمانويل كانط ، اسحاق نيوتن ، فردريك نيتشه ، ادم سميث ، ستيڤ جوبز ، هينري فورد.

وأنبياء ورسل، مثل:

محمد رسول الله ﷺ، موسى -عليه السلام-، عيسى -عليه السلام-.

العامل المُشترك 

هنالك عامل مُشترك واضح ومُباشر بين كل الأسماء السابقة ” الإبداع الاستثنائي” وهي الحالة التي يخلق فيها الإنسان عمل يُغير حياة الملايين ويخترق حاجز اللغات والثقافات ويكون حالة إبداعية تفوق القدرة العقلية البشرية للفهم والاستيعاب وتبقى الدهشة والامتنان لجميل صُنعهم. ولكن العامل المُشترك الذي أثار اهتمامي ليس ما ذكرته للتو. 

كل تلك الأسماء العظيمة التي عرضتها في هذه المقالة يتشاركون تجربة مُتشابهه جدًا؛ جميعهم فقدوا أحد أبويهم أو كلاهما في فترة الطفولة. 

هل تعي ماذا يعني لطفل أن يفقد أحد أبويه في فترة الطفولة؟

في مجال الطب النفسي هنالك تصنيف لحالة ذهنية مُعينة تدعى (Trauma) الصدمة و يُقصد بالصدمة النفسية الإصابة الجسيمة التي تصيب نفسية الشخص، والتي قد تكون نتيجة حادث استثنائي شخصي يشكل عبئاً نفسياً على المعني بالأمر.

 ومن الممكن أن تتفاوت حدة الصدمة من شخص لآخر، فعلى سبيل المثال أن قُدر لك أن تنجو من حادث سير في فترة زمنية مُعينة من الممكن أن يُلقي ذلك أثرًا على حالتك النفسية، مشكلًا اضطرابًا ذهنيًا تجاه السيارات والطرق المُعبدة بشكل عام، وقد يمر شخص آخر بنفس الحدث (حادث سير) ويكون حدث عابر لا يؤثر بشكل كبير، والفروقات لها أسباب عدة لسنا في محل طرحها. 

الجدير بالذكر  أن الصدمات بشكل عام في الطب النفسي لها نسبية عالية، وتعتمد على ظروف الشخص نفسه ؛ ما قد يؤثر على أحمد بشكل حاد، قد لا يؤثر على فيصل بنفس العمق ، و هذا في غالب الأمر .

ولكن عندما نتحدث عن صدمة فقد أحد الأبوين لطفلٍ ما فهذا الحدث  ليس بالحدث النسبي، فهي تعتبر من أعمق أنواع الصدمات النفسية والفقد العاطفي الذي من الممكن أن يمر به طفل أيًا كانت حالة الإجتماعية. 

الأبوين بالنسبة للطفل هم معنى الأمان والإستقرار النفسي، الأبوين هم النموذج الأساسي الذي يستقي منه معنى الحياة، الحب، الإنتماء، الأمان، النمو، القبول، الفخر، الطموح، النجاة، أن يفقد مصدر تلك المعاني في فترة لم يكتمل فيها نموه الذهني، الجسدي، العاطفي يعتبر أمرًا مُخيف. 

السؤال المُثير هنا: ما الذي جعل من مروا بظروف قاسية أن يكونوا بهذا التأثير ؟ كيف كانت النكسة هي منطقة الإنطلاقة ؟ 

كيف تحولك الصدمة العاطفية لبركان إبداعي لا نهائي، وما علاقة كل هذا بالنساء بالسعودية ؟ 

الصدمات كحالة إبداعية

في كتاب OUTLIERS للكاتب المعروف مالكوم غلادويل تحدث عن ملاحظة عادةً ما يقعُ فيها الناجحون، أن النجاح لم يكن في تاريخ التجربة الإنسانية عملًا سهلًا سواءٌ النجاح: العملي، العائلي، الروحي، الاجتماعي، وغيره.

ولهذا تجد Joseph campbell عندما لاحظ أن كل القصص المكتوبة في جميع الأفلام، المسلسلات، الروايات لا بًد لها من أن تأخذ مسارًا معين أشبه بالدائرة، يكون البطل في قصتها يمر بمراحل مختلفة من حالة اعتيادية، وفي ظروف معينة يمر بمنعطف خطير يقلب حياته رأسًا على عَقِب، ومن ثم ينجح ويعود وينشر ما تعلمه من تجربته للجميع. 

هذا النمط موجود في جميع القصص المكتوبة والمرئية لأنه يلامسنا، فجميعنا ذلك البطل في صفحات كتاب حياتنا الخاصة.

نموذج رحلة البطل من كتاب Joseph Cambell

 نعود لـ مالكوم غلادويل، الذي يقول: أن الناجحين عادةً يمنعون أبنائهم من خوض نفس التجربة الصعبة التي مروا بها حُبًا منهم و رغبةً في أن يجعلوا أبنائهم يخوضون تجربة أفضل من تجربتهم التي خاضوها. فمن كان يدرس في مدرسة عامة تجد أنه بعد نجاحه يضع أطفاله في مدرسة “عالمية” ليحظى بتجربة أفضل، ولكن ما يقوله جلادويل في كتابه بناءً على الإحصائيات أن أبناء الناجحين عادةً لا يصبحون مثل أبائهم كونهم لم يحظوا بتجربة طبيعية قاسية تجعل منهم “ناجحين”. 

يبدو أن الصدمات والصعوبات لم ننظر لها بزاوية مُختلفة قليلًا! 

والزاوية التي أود الحديث عنها هنا ليست في الحدث نفسه، ولكن في تعاطينا معه وردات فعلنا تجاهه؛ من خلال تجربتي الشخصية، لاحظت أن الصدمات والظروف القاسية تولّد طاقة استثنائية في داخلي، وتفاعلي مع تلك الطاقة له اتجاهين، أما أن تقتلني إذا تعاطيت معها بشكل سلبي، أو تأخذني في مكوك فضائي خارق لسرعة الضوء تجاه عوالم جديدة وآفاق أبعد

وهذا ماحدث لجميع الشخصيات العظيمة عندما مروا بأعظم صدمة ممكنة وهي صدمة فقد أحد الوالدين أثناء مرحلة الطفولة. عندما تُصدم بشكل قاسي ماذا تعني حينها؟

النساء في السعودية والشركات الإبداعية

عندما تبحرت في حياة المرأة بالسعودية وأخذت بالحُسبان التغييرات الإجتماعية الراهنة. بدى لي مفهوم جديد مُختلف تمامًا. نظرت لحياة المرأة في السعودية بشكل موضوعي جدًا خلال آخر ٣٠ سنة. المرأة أو كما تدعى حينها “وانت بالكرامة” كانت تعيش حياة أشبه بحياة الأفارقة بأمريكا في بداية القرن الماضي. بشكل دقيق هي إنسان أدنى، والرجل لم يكن شرًا محضًا حينها. ولكن غياب الوعي، واختطاف العقل البشري بتيار ديني ضيق الأفق لمعاني الحياة بشكل عام صنع منه أداة مُضطهده لأي إمرأة تكون تحت سلطته. 

وكيف لها أن لا تكون تحت سلطته “العمياء” وهو من يتحكم في الجوانب المحورية في حياتها ولا توجد خيارات متاحة آخرى: القبول، الأمان، المال، الوعي، المعرفة، الفخر، الحب، الإنتماء، الاهتمامات وغيرها مصدرها الرجل الذي هو بدوره مُغيب عن الواقع بأجندة لا يعي بوجودها أصلًا.  

والنتيجة الحتمية من هذا الخليط الأعمى “صدمات” عاطفية تعايشها المرأة بشكل مُستمر في الطفولة (أشبه بصدمة فقد أحد الوالدين أو غيابهم)

الصورة المشوهه التي عاشتها المرأة خلال الثلاثين سنة الماضية جعلت التغييرات الإجتماعية الحالية أشبه بطوق النجاة. وكونها مرت بجميع ما سبق كان لزامًا عليها أن تعي بالتالي : 

  • تعي أن النجاة مسؤولية فردية.

  • تعي بأن الاتكال خيار غير متاح.

  • تعي وتدرك بمفهوم المسؤولية تجاه حياتها بشكل وجداني.

  • تعي بأن دور المظلومية أشبه بالانتحار.

  • تعي بأن النمو والمعرفة هُما وسيلة النجاة.

  • تثق بنفسها كونها الوحيدة لذاتها.

  • تعلم يقينًا بأن الهروب يعني النهاية

  • تعي بصعوبة الألم الذي مرّت به، بالتالي تتعاطف تجاه الآخرين.

نجد اليوم أن المرأة شخص أكثر مرونة، ووعي، ونمو ورغبة في التغيير والإستقلالية، نجدُ أنها المستفيد الأول من جميع المبادرات الاجتماعية التي من الممكن أن يكون الرجل أكثر حاجة لها. 

وكأن حالة الناجحين في كتاب غلادويل تعود من جديد، فالرجل اليوم مثل الإبن لرجل ناجح يعيش في ظله ويتجنب خوض التجارب الصعبة، في حين أن ما تسلكه المرأة اليوم من مسار أشبه بدائرة البطل الذي شرحها  “كامبل”. 

ومن هنا من الممكن أن تكون المرأة فعلًا محل استغلال مِمَن يبيعون الوهم ويقتاتون على الصدمات وهذا مانراه في مجال التنمية البشرية لبعض المؤسسات والمدربين. 

هذه ملاحظة شخصية على الحالة الإجتماعية ليست بالضرورة محل اتفاق مُطلق. الهدف الأسمى أن ترى مابين السطور، وأن تعلم أن الحياة فُرص، وأن أعظم الفرص ينالها من مروا بأعظم التحديات. 

وأن الصين لم تُهيمن على أمريكا بعد ولكن النمو المستمر سوف يوصلها هناك دون شك. 

رسالة

لم نتعلم المواجهة في نشأتنا، ولم نستوعب المعنى الذي يكون عادةً في بطن الشاعر. 

لا أعني أن الصدمات شيء رائع من المفترض أن تبحث عنه، ولكن الإيمان بأن الحياة مُتقلبة بشكل مُستمر وأن مواجهة  الصدمات عاطفية حدث ممكن جدًا والسؤال حينها، كيف تتفاعل معه؟ 

الصدمة تُحدِث ألم، والألم يُحدث طاقة مساوية لحجمه، استخدمها في مصلحتك ولا تكن ضحية لها!

تأكد أن الصدمة لها احتمالين لا ثالث لهما، إما أن تقضي عليك، أو أن تنمو من خلالها بشكل استثنائي. اختر الخيار الثاني دائمًا.

10
0
اشتراك
تنبيه
guest

2 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

تقويم‎ ‎أم‎ ‎تحكم
15 آب

|

الأبوة والأمومة
وقت القراءة: 6 دقائق
بين الفراغ والمعنى
3 أيلول

|

الأدب والفلسفة
وقت القراءة: 4 دقائق
حين تعيش بين عالمين
14 تشرين الثاني

|

السفر
وقت القراءة: 5 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً