ألقِ بنفسك وسط الذين تحبهم وستشفى
الضعف الإنساني الجميل
تذبل أرواحنا وتخور قوتنا وتهتز ثقتنا مهما بلغنا في هذه الحياة، نتوق إلى كلمةٍ تُذّكرنا بشيء جميلٍ فينا، ونتوق إلى مَن نرى فيه ومعه صورتنا الأمثل، وذلك ما عجزت الآلة عن أن تستبدله، فظل بصمةً للبشر يتركونها على بعضهم.
ننمو ونتعلم وننجز، وربما نصل إلى مستويات فارقة جدًا عمن حولنا تبقى فيها نظرة مَن حولنا إلينا وقودًا يشعلنا كلما كان حقيقيًا، حقيقيًا له روح، نستطيع تحسس مصداقيته، غير مبتذل ولا متكرر بمناسبةٍ أو دون مناسبة.
كل منّا له جانب مشرق وآخر تغيب عنه الشمس، وكلٌ منا يُصادف في حياته بصيرَ الروح الذي يتحسس معه الجمال والقوى ويتتبعها ويبرزها ويذكرك بها من فترة إلى أخرى، وكفيف الروح الذي تكف روحه عن كل حسنٍ وتغوص في الجوانب المعتمة ليقدمها لك كلما وجدك مستنيرًا، الأول يجعلك تقفز قفزات متسارعة نحو القمة والآخر يهوي بك سبعين ذراعًا لأن كليهما حقيقي.
يُزهر المرء في بيئة الحب
الصفات السلبية فينا حقيقة لا مناص منها ولا مفر، التعامل معها يكون على عدة أجزاء وما معالجتها إلا جزء يسير منها، لكن الجزء الأكبر أن ندرك ماهية النقص وأنه قرين بالكمال كما أن وجود الذاكرة لم يلغ النسيان مهما كانت حدتها ودرجة سلامتها. ومهما استطعنا التعايش فنحن دائمًا بحاجة إلى من يذكرنا بالمحاسن وبصفة حميدة وبمنجز كنّا قد نسيناه، فالمنغصات تذوب وتتلاشى كلما عظمت في أعيننا صورتنا الحسنة.
يحدث أن نظمأ لكلمة تروي أرواحنا وتُبللها ونتضوّر جوعًا لكلمة تُغذينا وتزيدنا قوة ودليل ذلك القفزة الروحية التي يحدثها الثناء و التقدير في صدورنا. تبرق أعيننا ونستذكر كم نحن عظماء في ذلك الجانب الذي تمت الإشادة به، نرمم به ثقتنا بأنفسنا ويصنع يومنا ويترك أثرًا في كل تصرّف ومعاملة.
حيث نحمل لفترة ليست بالقصيرة شعور أننا رائعون، إن لهذه الكلمات أثرٌ لا يستهان به خاصة إنْ وقعت في روح مَن لم يلوثه الكبر والغرور فتدفعه لأن يعيد مرارًا وتكرارًا التصرفات التي قد تعزز الصورة الذهنية الرائعة التي أشار إليها أحدهم.
لكن أين دورنا من كل ذلك؟ وإلى متى نبقى في دور المفعول به منتظرين من ينعش أرواحنا ويروي الظمأ وننسى واجبنا تجاه الآخر في إرواء روحه. خاصة أن الثناء والتقدير لا يستهلك الكثير من الجهد والوقت وفي المقابل يترك أثرًا كبيرًا لا يسهل تقديره في الأنفس.
لا تقطعوا أحدًا من ثناء ولا تشجيع
أتذكر في مرةٍ أحد العاملين في إدارة مختلفة في المنشأة التي أعمل بها قام بعمله على وجه مثالي جدًا ولم يترك لي أي مجال لطلب تحسينات على النموذج الذي قدمه فأجبت البريد الذي سيصل إلى مديره المباشر كذلك بأن قلت: “كامل ومتقن”. ولم يكن رد فعله عاديًا واتصل بي ليشكرني على الجواب لكنني أكدت أنني أصف ما رأيته دون أدنى مبالغة وأعتقد أن أثر كلمة الحق التي قيلت في حينها ظل فارقًا في نفسه أو على الأقل يتذكره كلما حدث بيني وبينه أي لقاء.
ولا يبدو ذلك محل مفاجأة بالنسبة إليّ، فكما أننا ننتظر دائمًا من نزهر بقربه ويرينا الجوانب المتوهجة فينا فهناك مَن ينتظر كل ربيع أملًا أن تتفتح روحه فكن أنت حديقته. إن هذا الجانب الإنساني الذي لم تستطع الآلة ولن تقدر على تعويضه سيبقى أبد الآبدين بصمتنا الخاصة نحن البشر، الأمر الذي جعل استقلالية البشر عن بعضهم أمرًا أقرب إلى الاستحالة فإما أن نتبادل الثناء والتقدير أو أن نجوعه إلى الأبد.