جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

متعة تفويت الفرص
8 أيلول
النفس والعاطفة

متعة تفويت الفرص

8 أيلول

|

النفس والعاطفة

بعد ظهور التواصل الاجتماعي أصبح لكل منا حیاتان والبعض منا قد یمتلك حیوات، أنت دائمًا ما تتجول بصحبة حیاتك الافتراضية المحمولة (هاتفك المحمول) فتتنقل بتركيزك بين حياتك الواقعية وحياتك الافتراضية على مدار اليوم، تملك مصالح في كلا الحياتين لا غنى لك عن واحدة بأخرى فتكون منشغل البال على الدوام لمواكبة كل ما هو جديد فيهما. 

تخيل معي هذا المشهد: تجلس بين أفراد أسرتك ملتمين حول مائدة طعام شهي، كل حواسك الان حاضرة ومستمتعة بالمشهد البهي، توقفت للحظة تتصفح هاتفك الجوال لعل شيئًا ما قد حدث من الممكن أن يفوتك: ترقية لأحد زملائك بالعمل، سنابات صديقك في سفرته الأخيرة، دعوة زواج أحد أقاربك، أنزلت هاتفك وعدت إلى واقعك وقد امتلأ عقلك بكل تلك الأحداث فما عادت اللحظة بهية وما عاد تركيزك حاضر، يشغل بالك الان ماذا إن كان يتوجب عليك أن تعمل أكثر للحصول على ترقية في عملك؟ وماذا ستهدي قريبك بمناسبة زواجه الذي يصادف يومًا مهمًا للغاية في عملك؟ هل ستعتذر عن الحضور؟ أم أن بالك سيكون مشغولًا حينها بحجم المتعة التي ستفوتك إن اعتذرت؟ ماذا عن إجازتك القادمة هل عليك السفر فيها للمدينة التي زارها صديقك؟ تعود بعد دقائق من انتهائك من أول طبق لرفع هاتفك حتى ترى ما إذا كان هناك مستجدات أخرى عليك مواكبتها.

 

هل يبدو المشهد مألوف؟ 

الكثير منا بالأخص المتفاعلون باستمرار على منصات التواصل الاجتماعي قد اختبر هذه المشاعر باختلاف المكان والزمان والشخصيات سواء كنت مجتمعًا بأفراد أسرتك أو أصدقائك أو أطفالك في المنزل، في مقهى، في مطعم، في داومك، عند دراستك أو ممارستك هوايتك المفضلة، لا زلت تشعر بتلك الرغبة الملحة في رفع هاتفك وتصفح «السوشال ميديا» قاطعًا تلك اللحظات حتى يتسنى لك معرفة كل شيء على الدوام وما إن تتطلع على كل تلك الأخبار والتجارب حتى تشعر بضرورة تحسين مستوى حياتك وخوض تجارب أكثر.

تلك الحالة التي تصيب أغلبنا اشتهر بوصفها الكاتب الأمريكي «باتريك جي ماكجينيس» بالخوف من تفويت شيء ما أو «الفومو». وتعرف «الفومو» على أنها حالة القلق التي تصيب الأشخاص وتشعرهم بأنهم يفوتون الكثير من التجارب والمتعة بالأخص عند تصفح «السوشال ميديا» ووفقًا لمقالة نشرتها مجلة بوسطن فإن مصطلح «الفومو» (Fear of missing out) فسر لأول مرة عام 2000 من قبل استراتيجي تسويق يُدعى «دان هيرمان» ولكن استغرق الأمر سنوات عديدة لكي يتطور هذا المفهوم. الآن أصبحت (FOMO) موجودة بشكل مفاجئ في كل مكان. 

تشير الدراسات إلى أن حوالي %70 من البالغين في البلدان المتقدمة يعانون من الشعور المخيف والمستهلك للوقت، الذي يعني أن هناك شيئًا يحدث وأنهم ليسوا جزءًا منه. وتصيب «الفومو» جميع الأعمار وقد يرتبط مدى تأثيرها على الفرد بمعدل استخدامه للــ «السوشال ميديا» ومدى انخراطه وتفاعله معها كما تعزز عوامل أخرى شدة تأثير الفومو مثل مدى رضا الشخص عن حياته وأدائه في الحياة، وافتقاره للثقة بالنفس والأمان النفسي أو حتى وعيه بالمشاعر ومسبباتها. الوعي بوجود متلازمة «الفومو» قد ينقذك من دوامة حزن ولوم مزعجة تعطّل سير حياتك. 

تطول المقالات والأبحاث العلمية المنشورة على الانترنت عن متلازمة «الفومو» التي تفاقم انتشارها مع وجود «السوشال ميديا». شخصيًا بعد معرفتي بهذه المتلازمة واطلاعي عليها وإدراكي بأن جميع المنخرطين في العوالم الافتراضية قد أصيبوا ولو للحظات بها كانت تلك نقطة التحول وتغير طريقتي في التعامل مع حياتي الافتراضية وفصلها عن حياتي الواقعية وموازنة الشعور بالمصطلح النقيض والذي يُدعى متعة التفويت (Joy of missing out).

ليس علينا أن نكون على معرفة بكل ما يحصل في العالم على الدوام، لا بأس إن فوّتنا مؤتمرًا مفيدًا لأننا لسنا في مزاج جيد، أو اعتذرنا عن حضور حفلة لصديق لنقضي وقتًا أطول مع أسرتنا، أو لم نزر المقهى الذي يتحدث عنه الجميع لأنه ببساطة شديدة لا يناسب ذائقتنا، أو فوتنا أمسية شعرية لأنه الوقت والمسافة لا تسعفنا لحضورها. 

استمتع بواقعك الذي تختاره بعيدًا عن هوس فوات الفرص فما قدره الله لك من المتعة والتجارب المثرية ستحصل عليه دون ذلك الضغط الهائل الذي تعرض نفسك له ويفقدك لذة لحظتك الحالية. 

 
48
0
اشتراك
تنبيه
guest

8 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

تقويم‎ ‎أم‎ ‎تحكم
15 آب

|

الأبوة والأمومة
وقت القراءة: 6 دقائق
فضيلة أن تكون استثنائيًا
8 أيار

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 8 دقائق
ابتسامة معدّية
24 تموز

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 6 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً