هند صبري أو في رواية أخرى «عُلا عبد الصبور» في شخصيتها الكوميدية المعروفة كصيدلانية في مسلسل (عايزة أتجوز)، لم تكف عن الركض باحثة عن عريسها المنشود لتجده في الحلقة الثلاثين، ولم يكن في الحسبان أن تعود عُلا بعد عشر سنين في عمل جديد عنوانه «البحث عن علا» يتفاجأ المشاهدون في حلقته الأولى أنها حصلت على الطلاق من زوجها هشام لأنه بكل بساطة «مش حاسس إنه مبسوط».
عشر سنين قضتها علا ما بين رعاية زوجها وتربية أبنائها لتُفاجئ بقرار الانفصال في سن الأربعين، أشبه بشعور أن تجد نفسك وحيدًا في الصحراء بلا أي مؤونة ودون أي مقدمات، صدمة ولّدت ردة فعل لتجد علا نفسها متحررة من جميع القيود السابقة الي كانت تحكمها. وشوم، مشروبات كحولية، مراقص، تطبيقات مواعدة، معتقدة أن التحرر هو أن تعيش حياة صديقتها العزباء التي لم تحكمها قيود مطلقًا وأن هذا هو معنى الإنسان الحر الذي لا تحكمه قيود أو ضوابط، تمرّ الأيام لتدرك أنها كانت تهرول هربًا نحو «قيود» أخرى في صورة تحرّر، وأن الحرية الحقيقية أن تبحث علُا عن نفسها وعن حلمها في إنشاء علاماتها التجميلية الخاصة وهذا الحلم الذي -كما هو معهود- اختفى في طيّات الأيام التي غفلت فيها عن ذاتها وطموحاتها. علا وهشام ليست قصة طلاق وانفصال فحسب، بل هي قصة تتمثل في نسياننا لذواتنا وأحلامنا وطموحاتنا ومن نكون.
أزمة منتصف العمر
يُطلق هذا المصطلح تعبيرًا عن حالة يمر فيها الإنسان تقريبًا في أوساط رحلته العابرة في الدنيا، حالة تتمثل في استيعاب مفاجئ لمرور العمر وضياع الأيام في روتين الحياة المستمر، ليتدارك فيها الإنسان ما تبقى من شبابه وكأنها وسيلة دفاع ضد معالم الشيخوخة القادمة وسنين انتظار الموت.
هي هزّة نفسية تصيب كلا الجنسين في مرحلة عمرية قد تركوا فيها الكثير من ذواتهم في الماضي. وتأتي غالبًا حالة الإدراك تلك بعد حدوث أزمة مثل انفصال، أو وفاة قريب، أو فقدان عزيز، أو أيًّا من أحداث الحياة العارضة التي تكسر جمود الأيام وتعيد الوعي بشكل مفاجئ لعقل الإنسان، ليذكر ما فاته وليصحّح ما بقي له.
حالة يعود فيها الإنسان ذهنيّا إلى أيامه الأصغر سنًّا، يسترجع فيها جرأته، أفكاره المتناقضة، أحلامه المبعثرة، والعديد من الرغبات والأماني يلقاها في ذِكراه ويواجه انتقاد الناس في حاضره ورفض المقرّبين لحالته الذهنية الجديدة، يعيش فيها في دوامة نفسيّة بين احتواء نفسه القديمة ورفض نفسه الحالية التائهة، وما أن يمرّ بعض الوقت حتى يرجع إلى واقعه الحالي محمّلا بالكثير من خيبة الأمل وأحيانًا فوات أوان التصحيح.
متى نكون أحرارا حقًا؟
يعرّف الكثير من الناس الحرية بعدم وجود أي حدود لمبتغى الإنسان، وتلك حريّة زائفة لا يدركها إلا من وجد نفسه فتحرر من ذاته المجهولة. هل تعرف من تكون؟ هل تعرف ما تحب أو تكره، ما هي وجهتك وما هو مبتغاك؟ ما هي مخاوفك وما هي رغباتك؟ أم ستتراكم تلك الأسئلة حتى تجد نفسك إنسانًا حائرًا بلا إجابات، ولن تكون حرًا حتى تجد نفسك وتسكن إليها وتعرفها وتواكب أيامك بتحقيق أحلامك حتى لا تصفعك تلك السنين بأحلامك المهملة والمتروكة تحت ذريعة العمل، وتربية الأبناء وغيرها من مشاغل الحياة التي تسرق منا ما بوسعها سرقته. فالذات لا تؤجل والطموحات لا تختزل. وأن تكون حرًّا هو أن تعرف نفسك حق المعرفة، فلا تسمح لنفسك أن تُسجن في قوالب تسمّى بـ «نظرة الآخرين» أو معايير المجتمع فحينها ستحقق ما يريده الآخرون لا ما تريده أنت.
الحياة يجب أن تكون رحلة بحث دائمة عن الذات، هي موجودة بداخلك لكن قد تتجاهلها ولا تبحث عنها وتتركها خامدة ومنسيّة ولن تذكرها إلا في الأوقات الحرجة في حياتك وحينها تذكرُ فيها إنسانك وتبدأ بالبحث عنها. وإن لم تبحث عن ذاتك مبكرًا فلن تكون أزمة «منتصف عمر» فحسب، بل العمر كلّه.
ابحث عن ذاتك فالعمر أقصر من أن تعيشه برغبات غيرك، وكما صدحت أم كلثوم بكلّ شجن «عمر ضايع، يحسبوه ازاي عليّا»، ليس فقط في الحب بكل في كل لحظة تمر لا تعرف فيها نفسك وتكتشف فيها ذاتك هو عمر ضائع وغير محسوب.