نعيش حياتنا كأننا خالدون، نؤجل الفرح، نختزل الحلم في “يومٍ ما”، ونترك لحظاتنا الأكثر قيمة تمر دون أن نتوقف عندها.
لكن، ماذا لو جاءك يقينٌ قاطع بأن هذا اليوم هو آخر ما تبقّى لك في الحياة؟
كيف ستنظر إلى الأشياء؟ من ستتصل به أولًا؟ وما الذي كنت ستندم عليه أكثر من أي شيء آخر؟
السؤال ليس جديدًا، لكنه يظلّ الأكثر أهمية، لأنه يكشف لنا كيف نعيش حياتنا حقًا، لا كيف ندّعي أننا نعيشها.
فهل نحتاج حقًا إلى مواجهة الموت حتى ندرك معنى الحياة؟
الوقت: العملة التي لا تُستبدل
هناك وهمٌ جماعي نعيشه جميعًا: الاعتقاد بأن الوقت غير محدود، وأن الأيام تمتد أمامنا بلا نهاية.
لهذا السبب، نحن نؤجّل، نؤخر الاعتذارات، نُرجئ الحب، ننتظر اللحظة المثالية، بينما تتسرّب أعمارنا بين لحظات "ليس الآن".
لكن الحقيقة أن الوقت هو العملة الوحيدة التي لا تُستبدل، ولا يمكن استعادتها.
تقول الأبحاث في علم النفس الإيجابي إن الأشخاص الذين يدركون محدودية وقتهم على الأرض يميلون إلى اتخاذ قرارات أكثر وعيًا، والعيش بلحظات أكثر امتلاءً.
فالذين يعرفون أن الوقت ليس مضمونًا لا يُضيعونه في القلق بشأن أشياء لن تهمّهم بعد حين، ولا يؤجّلون أفراحهم الصغيرة، بل يركّزون على ما يضيف معنى لحياتهم، لأنهم يدركون أن اليوم المتاح هو الوحيد الذي يملكونه حقًا.
الندم ليس على ما فعلناه، بل على ما لم نفعله
في دراسة شهيرة أجرتها الممرضة الأسترالية "بروني وير"، التي عملت لسنوات في رعاية المرضى في أيامهم الأخيرة، سجّلت أكثر الندم الذي عبّر عنه هؤلاء قبل رحيلهم.
لم يكن الندم على الأخطاء أو حتى على القرارات السيئة، بل كان على الأشياء التي لم يفعلوها:
"كنتُ أتمنى لو كنتُ أكثر شجاعة في عيش الحياة التي أريدها، لا التي توقّعها الآخرون مني"،
"ليتني أمضيت وقتًا أطول مع من أحب"،
"ليتني عبّرت عن مشاعري بصدق"،
"ليتني لم أنشغل طوال حياتي بالعمل فقط".
ما تكشفه هذه الكلمات أن أعظم الأخطاء ليست تلك التي ارتكبناها، بل الفرص التي تركناها تمر، والعلاقات التي لم نهتم بها كما يجب، واللحظات التي لم نسمح لأنفسنا بأن نستمتع بها.
كيف نعيش دون تأجيل؟
إذا كنا نعرف هذه الحقائق، فلماذا لا نُغيّر طريقتنا في العيش؟
لماذا نستمر في تأجيل الفرح، وكأن لدينا ضمانًا بأننا سنعيشه لاحقًا؟
الحقيقة أن التغيير لا يأتي عبر قرارات كبيرة أو لحظات درامية، بل من خلال التفاصيل اليومية الصغيرة التي تعكس كيف ننظر للحياة: