تُذهلني دائمًا القوة الجبّارة للكوارث الطبيعية. فعلى الرغم من التقدّم العلمي والتقني الكبير الذي حقّقته البشرية خلال آلاف السنين، ما زال الإنسان عاجزًا أمام الطبيعة حين تثور وتُطلق قواها المدمّرة.
لكن ما يلفت انتباهي في مثل هذه اللحظات ليس فقط حجم الدمار، بل أيضًا اندفاع الناس لمساعدة بعضهم البعض. في خضم المأساة، يظهر أجمل ما في الإنسان: التعاطف.
أنا باحثة في علم العواطف، وأعمل أستاذة في قسمي طب الأعصاب والطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو. أقضي وقتي في دراسة المشاعر وكيف تؤثر على تصرفات الناس.
العواطف كثيرًا ما تحرّك قراراتنا، أحيانًا دون أن نشعر. وعندما نواجه كارثة، من الطبيعي أن نشعر بالحزن أو الغضب أو الخوف. لكن هذه المشاعر لا تفسّر وحدها الإيثار اللافت الذي نراه من الغرباء في أوقات الشدة.
فما الذي يدفع أشخاصًا لا يعرفون بعضهم إلى المساعدة؟
في مواقف كهذه، حيث يشعر الإنسان بصغره أمام قوة هائلة، يظهر شعور مختلف: الرهبة.
الرهبة شعور ينتابنا عندما نقف أمام شيء عظيم يتجاوز قدرتنا الفورية على الفهم. ورغم أن هذا الإحساس قد يتولّد من مشهد طبيعي خلاب أو تجربة روحية، فإنه يظهر أحيانًا وسط الدمار أيضًا.
عندما نشعر بالرهبة، يتحوّل تركيزنا من أنفسنا إلى العالم من حولنا. يتّسع إدراكنا، ويزداد فضولنا، ونشعر بأننا أقرب إلى الآخرين.
تأملتُ في قوة هذا الشعور وأنا أشاهد صورًا لأماكن دمرتها كوارث طبيعية — عواصف عاتية، زلازل، فيضانات، حرائق غابات. مشاهد لم تكن تُظهر الدمار فحسب، بل أيضًا وجوه الناس الذين فقدوا كل شيء، وحيوانات مذعورة، وملاجئ مؤقتة امتلأت بالناجين.
ومع ذلك، ما لفتني أكثر هو التدفّق السريع للمساعدات: فرق الإنقاذ تخاطر بحياتها، المتطوعون يتوافدون من مناطق بعيدة، الطهاة يطهون وجبات للناجين، والمتبرعون يجمعون ملايين الدولارات لمساعدة منكوبي الكارثة.
لكن لماذا؟ ما الذي يدفع هؤلاء إلى فعل كل هذا من أجل أناس لا يعرفونهم؟
الجواب يكمن في طبيعتنا البشرية. فنحن كائنات اجتماعية، نمتلك عقولًا مهيّأة للتواصل والتعاطف.
لكن عندما نكون مرهقين أو خائفين، يضيق إدراكنا وننغلق على أنفسنا.
المشاعر السلبية تساعدنا على النجاة، لكنها تقلل من وعينا بالآخرين.
وهنا يأتي دور "الرهبة" — هذا الشعور العظيم قادر على كسر تلك الدائرة، وتحفيز مشاعر التعاطف والرحمة.لحسن الحظ، فإن الكوارث الطبيعية ليست شائعة، وغالبًا ما ترتبط مشاعر الرهبة فيها بالخوف وانعدام السيطرة.
لكن في الحياة اليومية قد ننمي شعور التعاطف بإبطاء الوتيرة والانتباه لتفاصيل العالم من حولنا، عندما نستخدم حواسنا لنقدّر روعة ملمس لحاء شجرة، أو سرعة جناحي طائر طنان، أو أولى كلمات طفل صغير، أو الإعجاز التقني الذي يسمح لنا بالتواصل مع أشخاص في أماكن بعيدة.
كل تجربة قصيرة من هذه التجارب تُذكّرنا بأننا جزء من شيء أكبر منّا.
وحين ندرك أننا، مثل غيرنا من الناس، لسنا سوى أجزاء صغيرة من عالم مترابط، تصبح أوجه التشابه بيننا أكثر وضوحًا من اختلافاتنا.
وعندها، تظهر مشاعر التعاطف والرحمة بشكل طبيعي وسلس — لأننا ببساطة، نستطيع أن نرى أنفسنا في الآخرين.