نُسافر أحيانًا بغرض التجدد، نقول لأنفسنا ولأصدقائنا: أرغب في (تغيير جو)، نحزم حقائبنا ونُحدد وجهة نتطلع أن تُغير أجواءنا ونُسافر، وعلى الأغلب نعود بعد هذه السفر، ونحن نشعر بانتعاش شديد. فهل يُغيرنا السفر؟
تتحدث عالمة الاجتماع كارين شتاين عن احتمالية أن نتغير بالسفر، في كتابها "الابتعاد عن كل شيء: الإجازات والهوية"، حين تُعدد الأسباب التي تجعل المسافرين، سواء كانوا يسافرون بمفردهم أو مع الأصدقاء، يشعرون بالاختلاف بعد عودتهم؛ منها أن السفر يمثل لنا فرصة لتجربة هويات بديلة، أو أنه يبدو وكأنه فترة راحة مؤقتة من أنفسنا.
رأي شتاين لمع في ذهني الأسبوع الماضي، بينما كنت أتحدث مع سائحة سويدية في متحف الآثار بالمكتبة، كانت سعيدة وهي تتعلم كطفل كلمات عربية مثل شكرًا وجميل، وأتذكرها وهي تقول لي ضاحكة إن اكتساب كلمات جديدة يخلق لها هوية جديدة؛ فهي تتحدث كما يتحدث أهل البلد، وتستحسن الأشياء التي يحبونها ما أن تتعرف على سر حبهم لتلك الأشياء وتعرف حكايتها.
وكما يوفر السفر فرصة لتكون شخصًا مختلفًا لبعض الوقت، يرى بعض الباحثين أنه يغير أيضًا هويتك عند عودتك إلى المنزل، فقد وجدت دراسة أن طلاب الجامعات أصبحوا أكثر انفتاحًا وقبولًا لمن حولهم وأكثر شعورًا بالمسؤولية وبالتعاطف وأقل عصبية، بعد الدراسة في الخارج، وهي تغييرات طبيعية؛ إذ إنهم خرجوا من محيطهم المعتاد وظروفهم الروتينية، لمحيط جديد وظروف جديدة، تعرفوا فيه على غرباء، فتغيرت هويتهم وردود أفعالهم.
وليس هذا فحسب، بل إن بعض الدراسات تُفيد بأن المسافرين يصبحون أكثر إبداعًا وانفتاحًا وثقة بعد كل عودة من السفر، فمثلًا أظهرت الدراسات التي أجراها آدم جالينسكي، الأستاذ في جامعة كولومبيا، إن المديرين التنفيذيين الذين عاشوا في الخارج، أو سافروا إلى العديد من البلدان الأجنبية، واكتسبوا قدرا كبيرا من التعرض للثقافات واللغات الأخرى، هم أكثر إبداعا وجرأة في نهجهم في عملهم.
سافر وستتجدد تمامًا، فالتغيير بعد السفر حتمي؛ قرأت في مقالة قبل عدة سنوات مقولة ظريفة لعالم نفس، لا أتذكر اسمه في الحقيقة، لكنها أثرت بي كثيرًا، كان يقول: "عندما تنخرط في شيء جديد ومُعقد، يزدهر عقلك دون قصد منك"، ولا أتخيل تجربة تدفعك بنعومة ورفق لإخراج نسخة أجمل منك، أكثر من تجربة السفر.