جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2024.

جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2024.

فِلتر هذا العصر

اليوم، عندما نسمع كلمة "فلتر"، أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو "فلتر سناب"! هذا الفلتر هو أداة محسنة تهدف إلى تحسين أو "تعديل" ملامح الوجه في الصور. فكيف تطور مفهومنا عن الفلاتر من أداة لتصفية الشوائب إلى أداة تصوير محسنة؟ وما الذي يدعونا لاستخدامها؟

وقت القراءة المتوقع: 5 دقائق
[gpd]

تحرير هاجر حسين

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً

للاستماع للمقالة

بصوت:

محمد خوجلي

00:00 / 00:00

في جميع المجالات، يعرف الفلتر على أنه “أداة للتصفية”. فما هو الفلتر في عصرنا الحالي؟

في العربية، الفلتر هو أداة للترشيح والتنقية، وكان أول استخدام فعلي له في تصفية المياه. يختلف نوع الفلتر حسب التطبيق الذي يُستخدم فيه، من الميكانيكا والإلكترونيات إلى الكيمياء والفيزياء والطب والبرمجة وغيرها.

اليوم، عندما نسمع كلمة “فلتر”، أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو “فلتر سناب”! هذا الفلتر هو أداة محسنة تهدف إلى تحسين أو “تعديل” ملامح الوجه في الصور.

فكيف تطور مفهومنا عن الفلاتر من أداة لتصفية الشوائب إلى أداة تصوير محسنة؟ وما الذي يدعونا لاستخدامها؟

فلتر الجمال:

بدأ استخدام الفلاتر مع انتشار تطبيق سناب شات. في البداية، كانت الفلاتر عبارة عن أشكال مضحكة، ثم تطورت لتصبح فلاتر تغير ملامح الوجه، ولون العدسات، وتصفية البشرة.

وفقًا للأبحاث، كان السبب الرئيسي لانتشارها في البداية هو رغبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الظهور بأفضل صورة ممكنة. الفلاتر كانت أدوات سريعة وفعالة تجعل إطلالاتهم ربما تبدو أكثر جمالاً.

فما الذي جعلهم يشعرون بعدم الرضا عن أنفسهم في المقام الأول؟

معايير مزيفة للجمال:

نلاحظ أن أغلب الفلاتر تجعل العين أوسع، الأنف أصغر، الشفتين أكبر، والفك أنحف! وفي كثير من الأحيان، تكون هذه التعديلات غير متناسقة مع الملامح الطبيعية للوجه، حيث إن التناسق في ملامح الوجه سمة خُلقنا بها منذ ولادتنا.

ومع ذلك، فإن انتشار ثقافة الفلتر قد زاد من الانتقادات بشأن الجمال ومعاييره. فقد أصبح لدى المجتمعات تصور راسخ حول معايير الجمال، وأصبح الناس يقارنون بين الصور مع الفلتر وتلك التي بدونه.

اعتاد بعض المؤثرين على الظهور بفلتر دائمًا، خوفًا من الانتقادات والتعليقات السلبية، لدرجة أنه إذا ظهر أحدهم بلا فلتر شُيع كفضيحة باللون الاحمر! “ظهور فلان او فلانه بلا فلتر” يتبعه سيل من التنمر والأذى النفسي الشديد. ومع تطور الأمور، لجأ البعض إلى عمليات التجميل ليصبحوا نسخًا مثالية تتوافق مع معايير الجمال المزيفة!

عمليات التجميل والفلاتر:

أرى ارتباطًا بين الفلاتر وزيادة عمليات التجميل. فعندما نرى أنفسنا بأنف أصغر مثلاً، يبدو وكأنه يناسبنا، قد نلجأ إلى إجراء جراحي لنصبح أقرب إلى تلك الصورة. وهكذا، نصبح نسخًا متشابهة عن بعضنا.

وفقًا للمستشار في الطب النفسي الدكتور مازن، فإن الوضع الحالي تسبب في زيادة نوع من الاضطرابات النفسية يُعرف باضطراب التشوّه الجسدي (Body Dysmorphic Disorder)، وهو اضطراب وسواسي يسبّب شعور الفرد بالقلق المفرط بسبب عيوب في شكل أو معالم وجهه أو جسده، حتى وإن لم تكن ظاهرة للآخرين.

كما يشير في مقابلة إلى أن أطباء الجراحة التجميلية حول العالم أطلقوا في عام 2015 مصطلح “تشوّه سناب شات” (Snapchat Dysmorphia)، لوصف الزيادة الهائلة والمتسارعة في أعداد عمليات التجميل الجراحية لتعديل الشكل الخارجي للوجه ليصبح مطابقًا لصور الأفراد عبر “سناب شات” بعد استخدامهم للفلاتر في التطبيق.

بعيدًا عن فلسفة تقبل الذات وحب النفس، أصبحنا أقل رضا عن حياتنا بشكل عام وعن الصورة التي نظهرها للعالم، وأكثر تركيزًا على عيوبنا، ولا نستطيع الاستغناء عن الصورة بدون فلتر!

واقع مُفلتر:

يرى المتخصص في علم الاجتماع الدكتور محمد الجريبيع أننا نعيش اليوم في عالم افتراضي، نتيجة الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي. فقد أصبحت الموضوعات المنشورة افتراضية، وكذلك العلاقات، وحتى الجمال أصبح افتراضيًا.

كثيرًا ما ننسى أن المشاهير على مواقع التواصل ينتقون أفضل صورة عن أنفسهم وحياتهم ليقدموها لنا. وعندها، بقلة بصيرة منا، نبدأ بالمقارنة والتحسر ولوم حياتنا والمجتمع!

مواقع التواصل ليست سوى مجتمعات مُفلترة، حيث تُعرض أجمل الصور وأقلها تشابهًا مع الحياة الواقعية، بدءًا من الصور التي ننشرها إلى حياتنا الاجتماعية. تقول إيمان الشامخ في مقالها “كيف وقعنا في شرك الجمال الزائف”: “تُعتبر مقارنة النفس بالآخرين جزءًا طبيعيًا من السلوك البشري، ولكن عند القيام بذلك ضد نسخة مُحسَّنة من شخص آخر، يمكن أن يكون لها تأثير ضار على إدراكك وحبك لذاتك.”

لا نعرف متى تطور الفلتر واتسع استخدامه بهذا الشكل، لكننا أصبحنا نستخدمه في كل مكان. نُفلتر الناس من حولنا لننتقي من يُشابهنا ويشاركنا اهتماماتنا، ونتجاهل البقية بعيدًا عن محيطنا. وهذا خاطئ، فإذا حاصرنا أنفسنا بجماعاتٍ من نفس جنسنا وطبائعنا، لن ننمو ولن نتطور أبدًا، وسنبقى محصورين في دوائر مفرغة.

ذكريات بلا فلتر:

 عندما ننظر إلى صورنا القديمة ووجوهنا السابقة، غالبًا ما نراها بأعين ناقدة، متناسين أن هذه اللحظات كانت مشبعة بالسعادة الحقيقية التي تنطق بها أعيننا الباسمة! الذكريات لا تحتاج إلى فلتر لتبدو أكثر جمالاً، فجمالها يكمن في تصويرها كما هي، دون تشويه أو فلترة. لنعد إلى أنفسنا الحقيقية، بما فيها من محاسن وعيوب، دون تصنع أو تشويش. نحن في النهاية بشر، خُلقنا بوجوه كرمنا الله بها لنعتز بها كما هي، ونتقبلها، ونحبها، ونتميز بها عن غيرنا. عندما تقلب في الذكريات، ستجد صوراً تبدو فيها رائعاً وأخرى بدوت مرهقاً، صوراً كنت فيها طفلاً أو شاباً وأخرى بوجه تغزوه التجاعيد. هذه هي طبيعة البشرية. لننقل الذكرياتِ للمستقبل وننظر إليها بأعين مليئة بالحب والحنين. 

في النهاية، من وجهة نظري، أرى أن الفلتر أداة تطورت لتستخدم في غير محلها. مع الوقت، ندرك أن أثرها السلبي أكبر من نفعها، فهي تحولنا إلى دمى متشابهة وتنسينا وجوهنا وأنفسنا الحقيقية. قال تعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ”، أي خلقنا الله في أعدل خلق وأحسن صورة. فإياكم والانجرار خلف ما يُروج له من “معايير الجمال”، فإن من وضعها مجرد مخلوقات مثلنا.

22
0

اختيارات المحررين

اشتراك
تنبيه
guest
1 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

عن النفس
تحولت الملابس بمرور السنين إلى واجهة اجتماعية مهمة، فالمرء بطبيعته يحب أن يكون مرئيًا ومفهومًا ومحبوبًا ومثيرًا للإعجاب.

وقت القراءة المتوقع: 13 دقيقة
عن العلاقات
كلما أخذتنا سيولة العلاقات في عصر الحداثة إلى أقصى مستويات الفردانية أتساءل مرة بعد مرّة حول مدى إمكانية التخلي عن الآخر دون أن نتأثر.. 

وقت القراءة المتوقع: 4 دقائق
عن النفس
اغمض عينيك لوهلة، استحضر أكبر مخاوفك، واقرأ، أعلم أن الأمر سيكون مزعجاً وخانقاً، لكني حقاً أحاول أن أكون قريبة منكم في كل فكرة أكتبها وأشاركها..

وقت القراءة المتوقع: 30 دقائق

أحداث قد تناسبك

تُغذي الصمت

مَشفى

صيام عن الكلام لمدة ثلاث أيام . عقلك الذي لايهدأ ، نعدك أن يصمت تمامًا .

قراءة المزيد
تُغذي العقل والحالة الإجتماعية

يوم الفيلة

في ليلة مُتكاملة تمتد لثلاث ساعات ، نقدم للمجتمع من خلاله أعمالنا الإبداعية الكاملة ، نستضيف ضيوف مُلهمين لنقيم ليلة ثقافية – ابداعية لاتنسى في بيئة تنتمي لها وتنتمي لك.

قراءة المزيد

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً