لطالما سعينا خلف السعادة والنجاح والانجاز من أجل الحصول على شعور اللذة وكأنه شيء ملموس يمكننا امتلاكه أو الوصول إليه، فينشأ الإنسان فينا ساعيًا إلى السعادة ومتسائلًا في نفس الوقت عما تعنيه السعادة.
بعد قراءات وبحث وتجارب عشتها أو اطلعتُ عليها وجدت أن السعادة لحظة ليست معروفة، لا تعني بالضرورة شيئًا ماديًا أو مرئيًا تتوق إلى الوصول إليه، فلو سألتك عما تعنيه لك السعادة؟ ربما يكون جوابك في أن تملك منزلًا أو أن تصبح غنيًا أو مشهورًا أو أستاذًا في جامعة عريقة، بينما لو وصلت إلى حلمك هذا فلن تُطيل السعادةُ الإقامة، ستبقى في استمرار تبحث عن ملء الجزء الذي يُحب فيك الإثارة، فتكتشف حينها من وصول إلى وصول أن السعادة نسبية وكانت لحظة حقّة.
الحاجة تولد حاجات أخرى، فلو ملكت منزلًا ستولد معه احتياجات ومصاريف، ولو أصبحت غنيًا ستفقد لذة حصولك على الأشياء مثلًا ولو أصبحت مشهورًا ستفقد الهدوء وربمًا جزءًا واسعًا من خصوصيتك وهكذا لو كنت أستاذًا جامعيًا.
هل يعني ذلك أن أبقى تعيسًا؟ بالتأكيد لا، ستكون سعيدًا لحظة الوصول إلى الشيء المنشود، لكن الكثيرين يركضون وراء تلك اللحظة التي يتوهمون أنها كل شيء، فينسون أنفسهم. لكن ماذا بعد تلك اللحظة المرجوة؟ ألا يفكرون؟ قد تفقِد عزيزًا وقد يُداهِم المرض حبيبًا ورُبمّا تُصيبك ضائِقة فتشعرُ أن لا شيء قبلها ولا بعدها فيغدو كلّ ما حولكَ أحاديًا. ولرُبما في أحيانٍ نادرة تُحاوِل استدعاء الموت. إذاً؟ السعادة عبارة عن شيء لحظي غير مُتوقّع فلو كان مرضًا تسعد بلحظة الشفاء أو معرفة العِلاج. كُل ما يُسعدك هُنا لحظات.
السعادة من منظوري الشخصي كما أرى ليست شيء يمكن لمسه ولا شيء يُسعى إليه فهي تأتي مُباغِتة تُغرق قلبك، وأعتقد أن ما ينبغي علينا أن نسعى إليه هو الرضا والراحة، قرأت اقتباسًا يقول فيه فريدريك نيتشه «ليس من السهل تسلق (3451) مترًا فوق سطح البحر، يستلزِم الأمر خمس ساعات على الأقل، ولابد للمرء من التشبث بالدروب الصعبة ومحاولة التحايل على الجلاميد الصخرية واختراق غابات الصنوبر الكثيفة، وأن ينقطِع نفسه في الهواء الشّحيح وارتداء طبقات اضافية من الملابس لمواجهة الرياح والثّلوج الأبدية».
أرى أنه يمكننا أن نتألم ونحقق السّعادة المرجوّة وذلك بطريقة رؤيتِك للصعوبات ومدى تقديرك لذلك الألم وتحجيمك له، أي أن علينا تقبّل الحياة بطبيعتِها. ليس من الضّروري أن تكون بائِسًا ولا فراشة عمياء. فلن تذوق طعم الصحة لولا المرض ولا العمَل لولا البَطالَة ولا النّجاح لولا الفشل.
لكل شيء وجه آخر كالعُملة المعدنية، يجِب أن تُجرّب وتعيش كل ضدٍ لتذق ضدّه. تخيّل معي لو أن كلّ الأيام نهار أو كلها ليل؟ لو كلها مشمسة أو كلها ماطرة؟ شيء يُخالِف الطبيعة، بل وحتى التفكير البشري. فالتعاقب أساس الاستمرار، ولو ذهب التعاقب فسيلحق الضرر في ساعاتنا البيولوجية، بل وأجهزة أجسامنا الصحية والنفسية، ستُحال الكثير من الكائنات الحية إلى الانقراض، وستغادر النباتات الحياة.