هناك الكثير من النعم التي ولدنا بوجودها فما عدنا نلتفت لها لكونها أشياء روتينية لا نبذل أي مجهود للحصول عليها، وفي المقابل نتطلع لما هو أعظم وأفضل وهذه طبيعة متجذرة فينا، فالإنسان كائن راغب تدفعه رغبته المستمرة في الحصول على الأفضل، يسعى للاكتشاف والتطوير ولا يكفيه من رغد العيش أدناه، بل كلما علم بإمكانية الحصول على المزيد طمع فيه وسعى له
شخصيًا لا أجد إشكالية في رغبة أي شخص في الحصول على الأفضل والاستزادة من النعم فلقد أُستخلفنا في الأرض لنعمرها ونسعى فيها، إنما تكمن الإشكالية في أن تلهيك تلك الرغبات والسعي المستمر خلف المزيد عما تملكه الآن ولا أعني بذلك النعم المنسية فقط (وفرة الطعام، السكن، الحرية...) بل تلك نعم التي لطالما أردتها وأصبحت الآن بين يديك تنعم بها ولكنك ما عدت تستشعرها، قرأت عبارة أخذتني في رحلة زمنية للوراء وفتحت لي بابًا شاسعًا من التأمل، تقول العبارة "أنت الآن تملك على الأقل واحدة من الأشياء التي لطالما حلمت بامتلاكها في الماضي" بعد أن قرأتها أخذت بضع دقائق أسترجع فيها رغباتي وأمنياتي السابقة، وجدت أنني بالفعل امتلك الآن معظمها لكن عين السخط والطمع تغلب علي في كثير من الأحيان فلم أر إلا مساوئ حياتي وما أعرت الانتباه إلا لتلك الفجوة التي أردت ملأها بالمزيد فلم يتسن لي أن أفتح قلبي برضا وسعادة لكل ما وهبت من النعم.
ننسى دائما أن الطريق الأسهل للوصول للرضا والسعادة هو أن تكون شاكرًا لما تملك وأن تعير الانتباه للنعم الصغيرة من حولك، ففي أكثر من ثقافة وجد ذلك القانون الكوني الذي لم يقتصر فقط على منحك القناعة فحسب، بل كان أيضا بوابة للحصول على المزيد، فعلى سبيل المثال في ديننا الأعظم والأشمل-دين الإسلام- هناك وعد إلهي عظيم بالزيادة لمن شكر، في قوله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم).
وفي الثقافة اليابانية، كما ذكر الكاتب مهدي الموسوي، تحديدًا في طقوس السادو وهي طقوس لشرب الشاي، يبدؤون فيها بعبارة "الشكر هو البوابة الرئيسية للحياة الزاخرة" ويعني ذلك أن الشكر الصادق على ما يملكه المرء يفتح عليه الطريق إلى تلقي المزيد.
لا تجعل رغباتك المتغيرة وسعيك الدائم خلف ما تظن أنه مصدر السعادة الأبدية ينسيك أن تكون ممتنا لما لديك، خذ دقائق من وقتك الآن وعد بالزمن للوراء، كمْ رغبة من رغباتك تحققت وأنت الآن تعيش في نعيمها متناسيًا أنها كانت في يوم ما دعوة على لسانك أو أمنية في قلبك؟ كن شاكرا لها لتنعم بالمزيد.
شاركنا تعليقك من هُنا