في نقاش سابق مع أحدهم حول الأخلاقيات، كانت عدسته في الحكم على أخلاق الآخرين هي الدين؛ فكلما زاد تدين الإنسان، زادت أخلاقياته في نظره. اختلفت معه، وليس هذا موضع كتابتي اليوم، لكن رأيه فتح لي بابًا للتأمل… وهذا ما دفعني لكتابة هذه التدوينة.
سؤالي هنا، لقارئي العزيز:
ما الذي يصقل أخلاقياتك؟
ما المرجعية التي تستند إليها إنسانيتك؟ هل هي الدين؟ الضمير؟ التجربة؟ أم شيء آخر لا تقدر حتى على تسميته؟
في الأعمال الدرامية والتلفزيونية، تُطرح هذه الأسئلة غالبًا بطريقة غير مباشرة، عن طريق تعريض الشخصيات لاختبارات قاسية، تُجبرهم على المقايضة بين ما هو ثمين، وما هو أثمن.
من أبرز هذه الأعمال: لعبة الحبار.
جميع المشاركين في اللعبة يأتون من خلفيات متشابهة، وواقعهم الحالي شديد القسوة.
وصلوا إلى لحظة لا خيار فيها إلا أن يختبروا إنسانيتهم بأقسى الطرق: إما أن يتخلوا عن جزء من أنفسهم، أو يخسروا كل شيء.
الغريب؟ أن أغلبهم لم يتخذوا قراراتهم بناءً على “أخلاقهم”، بل رغمًا عنها.
ورأينا في عدة شخصيات تم وضعها في إطار "الطيبة" تقوم بأفعال مؤذية. وشخصيات “شريرة” تتصرف أحيانًا بحكمة أو رحمة، لأنهم ببساطة أدركوا قسوة اللعبة مبكرًا، وتخلوا عن محاولة التمسك بشيء لم يعد صالحًا في هذا السياق.
وهنا يبرز سؤال مؤلم:
هل التمسك بالمبادئ في وجه الظروف الحتمية يجعلنا أكثر إنسانية؟ حتى لو خسرنا؟
ماذا لو كان التصرف الأكثر أخلاقية
هو خيانة مرجعيتك الإنسانية؟
المشكلة أن مثل هذه الأسئلة دائمًا تُطرح في سياق اختبارات مستحيلة، لا نواجهها في الواقع، وبالطبع نحن لن نلعب لعبة الحبار.
ولن نُجبر على قتل أو إنقاذ شخص آخر لنعيش.
لكننا نُختبر كل يوم، في الحياة العادية،
نُختبر دومًا على نقيض الموقف الحتمي
حين نتأخر عن موعد مهم لننقذ قطة صغيرة في منتصف الطريق.
حين نتلوا دعاءً لأحبّتنا قبل أنفسنا.
حين نختار الصدق، في موقف لن يعرفه أحد سوانا.
هذه هي اللحظات التي تُشكل فيها أخلاقنا.
في المساحات الصغيرة، تولد الشرارة الأولى لإنسانيتنا.
ليس في المواقف المصيرية الكبرى، ولا حتى البطولية.
بل في التفاصيل الصغيرة، اليومية..
وتكمن أصالة اختبار الأخلاقيات الصامت هذا في عدم وجود شهود
لا أحد يراك…وهذا هو الامتحان.
شاركنا تعليقك من هُنا