يُقدّم محمد غازي صورةً عن «الإنسان الحديث جدًا» وكيف أثر الاستهلاك عليه وجعله يشعر، نقتطف شيء من مقالته البديعة.
إنسان حديث جدًا، أرقص بينما الموت يحيط بي، وأحاول أن أبقى متفائلًا رغم أن الحرب العالمية تطل من النافذة كل شهرين، أهرب من وحدتي بالانضمام لجماعات انعزالية، وأهرب من فقري إلى التسكع في الأسواق، وأهرب من مأزقي الوجودي بالموسيقى، وأقتنع تمامًا أنه لا جدوى من الركض، ولكني ما زلت أركض كفأر في الدولاب.
إنسان حديث جدًا، أريد استهلاك كل شيء، حتى الأصدقاء، أجددهم دائمًا إذا جف الأصدقاء القدامى، ولم يحققوا لي نشوتي الاجتماعية المخلوطة بدهشة البدايات. أسير في متجر العالم باحثًا عن أصدقاء أجففهم ثم أرميهم تحت الشمس في طريقي لدزينة جديدة من الأصدقاء أستهلكها وتستهلكني. إنسان حديث لا أفكر إلا بطريقة السوبر ماركت، عرض وطلب.
إنسان حديث أعامل الآخرين على أنهم منتجات ترفيهية، والويل لكل من يفشل في ترفيهي، عائلتي، أحبائي، مجتمعي، وطني، فكل من يفشل في التجدد وقتل تمللي المزمن أحكم عليه بالرفض والترك والتجاهل وأرسله لقمامة إعادة التدوير.
ولأني كائن اجتماعي جدًا، تحركني غريزتي للانتماء والمشاركة فلا بد لي أن أحظى بعلاقات حقيقية يكون فيها تواصلي مع الآخر حقيقيّا جدًا غير مشوب المجاملات ولا مدفون تحت الخوف الاجتماعي والقلق من أحكام الآخرين، وبدوري لابد أن أسمح للآخر أن يكون حقيقيّا معي، لا أحكم عليه ولا أغرقه في نظراتي النمطية.