في الحقيقة، هذا النموذج لا يستند إلى حقائق علمية، وإنما أجرته الأخصائية كوبلر-روس بعد دراسةٍ خاصة عملت عليها على مجموعة معيّنة شُخّصوا بأمراض خطيرة تهدد حياتهم! واستشفت من مقابلتها للمرضى والتحاور معهم أن المصاب يمرّ بالإنكار أولًا بعد سماعه خبر إصابته بالمرض، ثم يغضب إثر هذا القدر الذي كُتب عليه، بعدها يبدأ بمساومة نفسه وأفكاره أملًا في الوصول إلى الاتزان النفسي، لكنه لا يلبث أن يُصاب بالاكتئاب والحزن والعزلة عن الناس والحياة، لاقترابه من الموت، ثم يمرّ بالمرحلة الأخيرة، وهي تقبّل الحقيقة والتسليم والرضا.
مع مرور السنوات، تحوّل نموذج الحزن إثر الإصابة بمرض قاتل إلى نموذج مراحل ألم الفقد، وصار صيته في كل مكان وكأنه علم مُسلّم به، إذ إن المراحل المذكورة يمكن إسقاطها على أزمة الفقد، فالتسلسل فيها منطقي للعقل!
لكن ماذا لو كان لكل شخص الحق في عيش مشاعره وفقًا لترتيبه الخاص لمراحل النموذج؟ أليس من حق كل إنسان أن يستوعب رحلته النفسية خلال الفقد بطريقته الخاصة؟ إن حصر مشاعر الفقد في خمس مشاعر فقط يجعلنا سجناء دائرة صغيرة خانقة، ويجعل ما عدا ذلك من مشاعر أمرًا يجب استبعاده وإنكاره وعدم السماح لأنفسنا ببرمجته داخليًا.
والاحتمال الأسلم هنا أنه ربما لم يشعر شخص بالإنكار عند سماعه خبر وفاة عزيز عليه، بل أصابته نوبة حزن وبكاء فور استيعابه ألم الواقعة، ثم وصل إلى الرضا ومضى في حياته. أو قد يشعر شخص آخر بالغضب في بداية الأمر دون إنكار حقيقة الخبر، ثم تبتلعه موجة اكتئاب تمتد لسنوات.
فكل واحد منا، بوعيه الخاص وطريقة رؤيته للموقف، سيبرمج ويستوعب ما يجب عليه الشعور به في تلك اللحظة. فقد أمرّ أنا وأنت بالموقف المرير نفسه، لكن وقعه عليّ وعليك سيكون مختلفًا تمامًا، فرحلتي في بحر النجاة من الألم ستختلف عن رحلتك!
شاركنا تعليقك من هُنا