لتتمكن من الإنصات، يجب أن تكون حاضرًا حضورًا كليًا ولا تفكّر بشيء آخر عدا كلمات المتحدث، وكأن سر الحياة سيخرج من بين شفتيه في أي لحظة. يأخذنا محمد الأحمدي في مقالةٍ بعنوان «أن تملك أذنًا مدركة» إلى أهمية الاستماع في حياتنا الحديثة.
صديقي زيد، بلا مبالغة، هو أفضل مستمع قابلته في حياتي. وطريقة استماعه ما زالت تذهلني، سواءً بتركك تسهب بينما يلزم الصمت التام إلا من كلمةٍ هنا وجملة قصيرة هناك تطمئنك أنه معك، أو بتوقعاته الصحيحة عما ستقول تاليًا، أو تدخله في اللحظة المناسبة بالضبط لينقذ وتيرة المواضيع بأخذها إلى منحىً جديد.
فهو لا يفوت جملةً واحدةً لا يفهمها دون السؤال عنها، وفي نفس الوقت لا يقاطع أحدًا ليتحدث عن نفسه أو يغير دفة الحديث. فكل استيقافاته هي ليفهم أكثر، ويصغي بشكلٍ أفضل.
الإصغاء لا يعني أن تبكي مللًا أو تجبر نفسك على الاستماع والاستمتاع بكل المواضيع في العالم، لكن كيف تغيّر الموضوع؟
مرجحٌ أن بينك وبين المتحدث نقطة التقاء ليست بعيدةً عن الموضوع الذي يتحدث عنه، وبسؤالٍ بسيط عن موضوع متعلق بالموضوع الأساسي تستطيع توجيه المحادثة إلى نقطةٍ مشتركة بينكما.
مثل أن تسأل مولعًا بالفيزياء عن أوبنهايمر، أو تسألين مهووسة بالإنتاجية عن طريقة تجاوزها الكسل والرغبة بعدم فعل أي شيء.
هذه الطريقة عظيمة لعدة أسباب، فهي لا تجرف المحادثة عن مجراها الطبيعي تعسفًا، بل تنتقل بسلاسة وطبيعية بين المواضيع، وهي طريقة ناجعة لإيجاد النقاط المشتركة، وفي أسوأ الأحوال هي تنقذك مما لست مهتمًا به بإخراج المحادثة إلى أماكن عامةً أكثر.
بعد ملاحظتي لصديقي صرت مستمعًا أفضل، وأصبحت أجد لذةً عجيبةً في الاستماع، ورأيت أن من أمامي على الأغلب يملك ما يقوله، لكنه يحتاج شخصًا منتبهًا يدرك بإذنه كيف يساعده على استخراجه.