بعد نهاية يوم طويل نستعد فيه للخلود إلى النوم حاملين أجسادنا المنهكة، ومستجيبين لحاجتنا الملحة
للراحة، ما إن نتوسد ذلك الفراش المريح حتى تتزاحم
في عقولنا أفكار عدة، وتتفجر طاقة حماس مضاعفة
نبني على أثرها قرارات جديدة، غير تلك المؤجلة
التي تراخينا عن إتمامها. "غدًا سأكمل أعمالي غير
المنجزة، وبالتأكيد لن أنسى نصيب جسدي من الحركة،
وعلى الأغلب سألتقي بأصدقائي في المساء."
لكن عندما
تستيقظ صباحًا لمواجهة كل تلك الوعود التي قطعتها
على
نفسك، تجد أنك عاجز عن إتمام معظمها.
لا شك أنك قد
مررت بهذا السيناريو من قبل، ووقعت ضحية لفخ "حماس
الليل" الذي يهيئ لك أن الغد هو يومك، وأن زمام
الأمور كلها بيدك. يطرح علماء النفس عدة نظريات
حول السبب الذي يجعلنا دائمًا نتخذ قرارات مندفعة
ليلًا لكنها تبقى قرارات قيد التنفيذ إلى أجل غير
معلوم. إحدى تلك النظريات تشير إلى أن دماغنا في
نهاية اليوم يكون قد تخفف من الأعباء والمهام التي
شغلته طوال النهار، فتقل المسؤوليات وتتاح مساحة
أكبر للاسترخاء والتفكير
بصفاء. هذا الصفاء غالبًا ما يكون هو المحفز
الرئيسي للتفكير الإيجابي وصنع القرارات التي تصب
في مصلحتنا. لكن مع بزوغ شمس النهار، نستيقظ
لمواجهة مهام اليوم الروتينية، من مكالمات هاتفية
ومهام العمل إلى التفاعل مع الآخرين. ورغم تباين
صعوبتها، إلا أنها تتطلب تركيزًا كبيرًا من العقل،
ما يدفعنا لتجاهل قراراتنا الجديدة.
كما أن سكون
الليل وهدوءه يمنحان مساحة واسعة للتأمل في تفاصيل
حياتنا، ومراجعة إنجازات يومنا، مما يجعله الوقت
الأمثل لبناء التطلعات والعيش في
الخيالات وحتى محاسبة الذات. فنحمل ذاتنا
المستقبلية عبء المهام المؤجلة، ونعدها بإنجازها
غدًا، ونتوقع منها تحقيق كل خيال رسمناه في عقولنا
دون إعارة اهتمام للتفاصيل المطلوبة لتحقيقها.
وهكذا، تتفجر فينا طاقة حماسية وهمية يبددها
الصباح، ليضعنا في مواجهة مع قدراتنا الحقيقية.
إذًا ما الحل
لتجاوز هذا الفخ والإبقاء على تلك الحماسة طوال
اليوم؟
أؤمن أن
القرارات المعلقة التي تتردد على أذهاننا يوميًا
ما هي إلا إشارات
تنبيه تذكرنا بضرورة اتخاذها. والخيالات التي تبهج
أرواحنا وتشعل فينا شعلة الحماسة هي صورة واقعية
ليست عصية على التجلي في حياتنا. ولكن بدلًا من أن
نحمل أنفسنا عبء تحقيقها فورًا، قد يكون الحل
الأمثل هو في تحويلها إلى خطوات بسيطة على أيام
متفرقة. وعند وضع تلك الخطوات، يجب أن نراعي
ظروفنا الحالية ومدى إمكانية تحقيقها، فلا نحمل
أنفسنا ما لا طاقة لنا به. فبمجرد أن نخفف ثقل
الوعود ونراعي واقعية القرارات، سنجد أنفسنا في
اليوم التالي أمام قرارات عقلانية سهلة التحقيق.
وعلى المدى البعيد، سيصبح ما كنا نظنه
مستحيلًا في متناول أيدينا.
في المرة
القادمة التي تجد فيها نفسك مشحونًا بالحماسة
ليلًا لتغيير حياتك بين عشية وضحاها، تذكر أن تلك
الرغبة هي تأثير رخاء الليل، وأنها قابلة للتحقيق
في المستقبل، ما لم تدع ذلك الرخاء يدفعك لاتخاذ
قرارات مجهدة قد تبدد حماستك في اليوم التالي
وتجعلك تقسو على نفسك.
شاركنا تعليقك من
هُنا