تعجز عن احتمال صخب العالم، فتقرر «اعتزال ما يؤذيك» من الالتزامات الاجتماعية؛ برفقة كوب قهوة وكتاب كما نحب -نحن المثقفون- الإدعاء. ومع ذلك، تشعر أنك وحيد، وتزداد حدّة شعورك عند وجود الآخرين حولك.
فماذا تريد بالضبط؟ أو دعني أخفف من لهجتي فأقول: كيف يتأتى لنتائج بقائنا بمفردنا أن تكون متباينة هكذا؟
انتبه! قد تقتلك الوحدة.. حرفيًا
في الظاهر، تبدو الوحدة والعزلة توأمان، يحملهما بطن تجربتنا الإنسانية. لكن طريقة تفاعلنا مع هذه التجربة هي ما يؤدي لحالتين نفسيتين مختلفتين. الوحدة شعور إنساني مألوف وشائع إنما غير مريح. بتعبير آخر: تجربة ذاتية ينفرد فيها المرء بنفسه ويتملكه إحساس بـ «الوحِشة».
لكن، لئلّا نظلمها، قد تكون ضرورية باعتبارها وسيلة للتعامل مع بعض المشاعر مثل مشاعر الفقد.لكن بشرط ألّا تطول، وإلا فقد تقتلك «على ذمّة أحد الأبحاث الذي يقول إن الشعور بالوحدة يزيد من خطر الوفاة بنسبة 26٪».
عندما يقول موراكامي في روايته سبوتنيك الحبيبة «لماذا على الناس أن يكونوا وحيدين هكذا؟ ما الغاية من ذلك؟ الملايين في هذا العالم، كلهم توّاقون ويتطلعون إلى الآخرين لإرضائهم، ومع ذلك يعزلون أنفسهم. لماذا؟ هل خُلق العالم فقط لتعزيز وحدة الإنسان؟” نفهم منه أن وحدتنا قد تستمر حتى في وجود الآخرين. وأن مجاز «أصبحنا أقرب، لكن أكثر وحدة» أصبح واقعًا.
في المقابل، العزلة هي إحدى تجليّات الوحدة. فليس لمفهوم العزلة أي مشاعر سلبية مرتبطة به. ولهذا قد تكون الوحدة ممتعة بالفعل، أو مجرد محايدة على الأقل.
لنعكس المعادلة إذًا!
تُحدث طريقة إدراكنا لـ «البقاء بمفردنا» فرقًا كبيرًا فيما إذا كنا سنختبرها كوحدة أو عزلة. عندما نركز على الشعور بالعزلة عن الآخرين والعالم، فقد ينتج عن «الانفراد بأنفسنا» دوامة من الأفكار السلبية. على عكس لو قدّرت لحظات الوحدة باعتبارها لحظات توليدية لاكتشاف الذات وإعادة اتصال معها.
ربما كنت تستصعب التفكير في إضافة القليل من العزلة إلى جدول عملك المزدحم، لكن في الواقع، كلما كنت أكثر انشغالًا، زادت احتمالية استفادتك من بعض الوقت الهادئ. صدقني قضاء الوقت بمفردنا ليس مضيعة للوقت. وإليك بعض الإثباتات.
صدّق أو لا تصدّق! تشير الأبحاث إلى أن قدرتنا على الارتياح حين نكون بمفردنا تساعدنا على أن نغدو أكثر راحة عندما نكون مع الآخرين. هل ترغب بزيادة جودة حياتك؟ ربما عليك إذًا احتمال قضاء الوقت بمفردك. وهذا ليس كلامي، وإنما قول الأبحاث -آنفة الذكر- التي تؤكد أن قضاء الوقت بمفردك يجعلك أسعد وأقل قلقًا.
وغنيٌ عن القول أن الفنانين والمؤلفين والموسيقيين وغيرهم من المبدعين يبحثون عن العزلة عندما يريدون توليد الأفكار والتركيز على أعمالهم الإبداعية. وأنت منهم. أليس كذلك؟ وإن لم تقنعك جميع الإثباتات السابقة، فأنت -على الأقل- تود اكتشاف ذاتك. وجد الباحثون أن بمقدورنا عبر تخصيص وقت للتأمل الذاتي -بعيدًا عن صخب العالم- تحديد هوياتنا وتأكيدها بتأثير أقل من الآخرين.
في النهاية، يتلخص الأمر كله في كوننا متفطنين للطريقة التي نتعامل بها مع العزلة. فإن كانت الوحدة هي الوقت الذي نقضيه بمفردنا والذي لم نختاره، وبالتالي لا نقدره. فمن المفترض أن تكون العزلة نشاطًا واعيًا؛ نخصص لها وقتًا ونتعامل معها كتجربة بناءة.
أحدهم لمّا يقتنع!
حسنًا عزيزي العنيد: لست مُضطرًا لتخصيص وقت طويل لعزلتك حتى تستفيد. بل يكفيك لإعادة شحن طاقتك إمضاء ما بين عشر إلى عشرين دقيقة فقط يوميًا بمفردك. وإذا كنت تعتقد أنه لا وقت لديك تكرّسه للعزلة المتعمدة، فمن المحتمل أنك…ممم.. أحوج الناس لهذه المساحة الانعزالية، بل وأكثر من أي وقت مضى.
وعليّ تنبيهك هنا: أيًا كان النشاط الذي قررت قضاء وقتك بمفردك، فتذكر أن تكون منغمسًا تمامًا في هذه اللحظة، سواء كان في البحث عن المعنى أو ترك عقلك يستغرق في دوامة الأفكار اللامتناهية.
أتعلم؟ لا تفعل أي شيء، دع عقلك يهيم. إذا لم تكن معتادًا على العزلة كما أفترض، فقد يكون الصمت غير مريح في البداية. لكن السماح لنفسك بالبقاء وحيدًا مع أفكارك هو أمر صحي «وأفترض أنك تُحب الاهتمام بصحتك»، ويمكن أن يكون إضافة رائعة إلى صالة الألعاب القتالية داخل عقليتك. لذا حاول تخصيص القليل من الوقت بمفردك واجعله جزءًا من روتينك اليومي.. أرجوك!