جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

تقويم‎ ‎أم‎ ‎تحكم
15 آب
الأبوة والأمومة

تقويم‎ ‎أم‎ ‎تحكم

15 آب

|

الأبوة والأمومة
بدعم من

تنطوي التربية على كثير من التقويم الذي جاز للكثيرين هذه الأيام أن يسموه تحكمًا. والحقيقة أن التقويم يتضمن تحكمًا لما يتخلله من عمليات ضبط للسلوك. ولأننا لسنا آلات فقد يحدث الخلل في عملية التربية ذلك أنها عملية مدفوعة أولًا بحبنا ورغبتنا في أن يصبح أطفالنا أفضل من أقرانهم وقلقنا من أن يتسبب إهمالنا لهم في أي متاعب مستقبلية كان ذلك على الصعيد التعليمي، أو العملي أو الاجتماعي أو الأخلاقي أو الديني. ومن جانب آخر تدفع هذه العملية بما لدينا من معلومات ومن سمات أورثتها بيئتنا لنا.

يحدث مع هذا المزيج من الحب والخوف والمعرفة المسبقة تربية حسنة أحيانًا ومتوسطة أحيانًا ورديئة في أحيان أخرى، وذلك في حين تغلّب الخوف على الرغبة في تجهيز هذا الطفل لحياة لن تكون حنونة كوالديه أو حين يتغلب الحب فيندفن الطفل تحت رمال الدلال الناعمة فلا يرى له أثر. وفي حالة أخيرة عندما تكون بيئتنا السابقة ومعرفتنا الضحلة قد ألقت بظلالها علينا وعلى أطفالنا حيث إن عملية التربية تراكمية بالدرجة الأولى، فإن لم تكن تربيتك قد قومتك أخلاقيًا ومعرفيًا فبالطبع ستكون خنجرًا في خاصرة طفلك وإن أحببته وإن حسبت أنك تحسن صنعًا.

أما الصفة الرئيسة في التربية والتقويم أنها في كل الأحوال غير محببة للأطفال في كل مراحلهم العمرية وصولًا إلى المراهقة حيث يصبح أي تدخل في السلوك بمثابة عمل عدائي متعمد ولا يشفع لتقليل حدته حُب الوالدين الذي يعرفونه حق المعرفة ويبصرونه. لكنه قدر المربين الذين يقبضون على عواطفهم ويتجاهلون بكاء ذلك الطفل حفاظًا عليه من شيء لا يدركه وكذلك إصرار أبنائهم المراهقين على أمر ما حفظًا لهم من مغبة الرغبات في سن مفصلية.

أما التحدي في عصر الفردانية وعصر تعرية العلاقات من قدسيتها هو أن بعضًا من المصطلحات بات متداولًا على نحوٍ مؤذٍ وغير مبرر لتكون كالشرارة التي قد تشعل نارًا بين الآباء وأبنائهم. حين يبدأ الأبناء بالنظر إلى عملية الضبط أو النصح التي يمارسها الوالدان على أنها تلاعب عقلي أو تلاعب عاطفي واستغلال للمشاعر للتحكم بالمصير خاصة مع حضور وصف العلاقة السُميّة كستار أسودٍ يسدل على كل الحُب في هذه العلاقة، مما قد يدفع المراهق إلى العداء بدلًا من محاولة إقناع والديه بما يراه صائبًا.

قبل أيامٍ تم تداول مقطع مصوّر في شبكة التواصل الاجتماعي تويتر عن أبٍ ينصح فتياته حول ما يجب أن يرتدوه، و بغض النظر عن رأيه و عن محتوى النصيحة ذاتها لكن شكلها و طريقتها كانت مليئة بالحُب و المودة إلا أن التعليقات جاءت مؤذية و مشوهة لجمال ذلك المشهد من حيث الحنيّة و الدفء و الحب، حيث أصبح الأب الناصح المحب الحنون بشكل مفاجئ شخصًا سامًا و يستخدم التلاعب العاطفي ليصل إلى مراده و في بعض التعليقات الأكثر تطرفًا وجدت إحداهن أنها مجرّد محاولة ترتدي ثوب البراءة و إن وجد الأب أنهن لم يتجاوبن معه فسيظهر الوجه الآخر لهن.

إن تداول مثل هذه الآراء والتفسيرات والأوصاف في علاقة لا تعلوها علاقة مسألة ذات خطر وبحاجة إلى التفاتة؛ لأنها تعيق عملية التربية من جهة وتخل بالاستقرار والدفء العائلي من جهة فلا شيء يبقى إن اعتنق المراهق فكرة أن أبيه يتلاعب به عاطفيًا ليجبره على معتقداته حيث سيظهر الأب حينها في صورة الوحش الذي يرتدي ثوب الحب لينال مبتغاه.

حدث كثيرًا أن أشارت أمي عليَّ بأمر لا أحبه أو لا أريده أو لا أراه صائبًا لكن الحقيقة تبقى أنها عندما تطلب مني أمرًا سواء لرغبتها أو لأنها تجده الأمثل لي فإنها لا تتلاعب بي عاطفيًا، فهي أحيانًا تمارس حقها في إبداء الرغبة وأحيانًا تمارس حقها بالنصح والتقويم الذي لن أكبر عنه أبدًا ما دامت أمي. وذلك لا يعني بالضرورة أن كل ما تقوله صائبًا وليس أكيدًا أن تكون جميع خياراتها في صالحي لكنها تبقى ترياقي لا سمّي وتبقى هي التي لا تلاطفني ولا تتلاعب بي إذ أن كل فعل وقول ضابط يصدر منها هو ذلك الحُب الدفين.

16
0
اشتراك
تنبيه
guest

0 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

تقويم‎ ‎أم‎ ‎تحكم
15 آب

|

الأبوة والأمومة
وقت القراءة: 6 دقائق
الشقيقات “نعم” و “لا”
9 تشرين الثاني

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: دقيقتين
بين صفاتنا الأصيلة وتصنعنا
14 شباط

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 4 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً