جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

كيف تُمثلنا ملابسنا
31 كانون الأول
الأدب والفلسفة

كيف تُمثلنا ملابسنا

31 كانون الأول

|

الأدب والفلسفة

لم يكن المرء في أي حقبة زمنية أكثر قيمة من ملابسه، لكن ملابسه في كثير من الأحيان تعبر عن قيّمه ومشاعره وانتماءاته وطموحاته ومعاناته. كان هدفُ الملابس قبل سنين بعيدةٍ هو تدفئة أضلاعنا لكن مع بزوغ شمس التطور غلبتْ أنظمةُ التدفئة المعضلة فأصبحتْ وسيلتنا في تدفئة بيوتنا ما قلل اعتمادنا على الملابس لتحقيق هذا الغرض ثم سرعان ما تحولتْ الملابس بمرور السنين إلى واجهة اجتماعية مهمة، فالمرء بطبيعته يحب أن يكون مرئيًا ومفهومًا ومحبوبًا ومثيرًا للإعجاب، وهذا ما يسعى إليه باستمرار في اختياره للملابس، شعورًا منه أنه يُميّز ذاته من خلالها، فتحكي عنه قصةً ما بصمتٍ أمام الآخرين، وتترك انطباعًا أوليًا لدى مَن يلتقيهم لأول مرةٍ في الحياة اليومية. 

فعندما يشعر المرء أنه محبوب يزداد استهلاكه للملابس، فتصير تلك طريقته في التعبير عن هذا الازدهار الذي قد يكون في تخرجه من الجامعة أو قبوله في وظيفة جديدة أو بداية معرفته بإنسان يحبه أو حصوله على منحة دراسية أو ارتباطه، فيشعر أنه يكافئ نفسه على تقدمه من خلال اقتناء ثوب جديد وبألوان وتفاصيل صغيرة تشبه شعوره.

الملابس تحمل هوية أرواحنا

 يعرفنا الآخرون في أحيان كثيرة من خلال الثوب الذي نرتديه في هذه اللحظة إذا كنا سعداء أو حزينين أو متحفظين أو غير مبالين مما يعطينا تأكيدًا على أن الملابس تحمل هوية أرواحنا وما هو موجود فيها، فيتصرف اللاوعي في اختياره للملابس على هذا الأساس، فلطالما وجدتنُي أصحو في الصباح لأختار الملابس التي تعبر عن روحي، في اليوم الذي أصحو ولا أشعر أني بخير أكاد لا أنتبه ولا يشدني أيًا ما أختاره، فأي شيء ممكن، لكن في اليوم الذي أصحو فيه مطمئنًا تجدني أختار ملابس محددة مرتبطة بمواقف كنتُ فيها سعيدًا من قبل، فتحمل الملابس أيضًا تلك الطاقة التي تؤثر على المزاج والذاكرة، فتلك التي ارتديتها في يومٍ بهيج، تجد نفسك مُقبلًا عليها أكثر من تلك التي ارتديتها في أكثر الأيام كآبة. تلك التي قابلت فيها حب حياتك لها قيمة أكبر من تلك التي شعرت فيها بخيبة أمل.

همسة في الأذن بينما تختار من الخزانة

لحظة اختيار الملابس لحظة بسيطة لكنها فارقة في اليوم الطبيعي، قد لا تبدو هكذا للبعض لكنها لكثيرين مثل جسر عبور اجتماعي. وضعت الباحثة فانيسا فان إدواردز تصورًا ذاتيًا من أسئلة وإجابات تساعد المرء على اختيار القطعة الأنسب، فتسأل: «ما هي الحالة الشعورية التي تريد أن تحققها بينما تفتح خزانة ملابسك الآن؟»، تفترض سيرًا من الإجابات «رسمي، غير رسمي، منفعل، احترافي، فريد، جذاب، شاب، ناضج، قوي، عادي» ثم تضيف أسئلةً تساعدك على تحقيق الانسجام مع تلك الحالة التي تريدها «الألوان التي تحبها، من أين تشتري ملابسك، كيف تخيط ملابسك، الإكسسوارات التي ترتديها مع ملابسك، العلامات التجاربة التي تحبها، الأنماط التي تعجبك، والأشخاص الذين تقلدهم».

الأمر لا يتعلق بالاتجاهات أو الموضة في منظور مصممة الأزياء إلسا إسحاق التي تُوصي «باختيار ثلاث كلمات تعبّر عنك، ربما تريد أن تجعل ملابسك تشعر بالثقة أو القوة أو الجاذبية أو الإبداع أو أنك منفعل، فبمجرد تحديد المشاعر التي تريد أن تُثيرها ملابسك خلال خروجك يصبح من السهل عليك أن تختار قطعة مناسبة».

وإذا راودك الشك للحظة أن القطعة التي بين يديك ليست قطعة مناسبة، فإنها بالفعل غير مناسبة، اتركها وابحث عن أخرى، ستجد في الخزانة قطعة تلوّح لك أنها أنسب، تود لو تحتضنها، فتصير أنت وفق تعبير الباحثة فانيسا فان إدواردز.

الخزانة مزدحمة لكن لا يُعجبني شيء

ما أكثر اللحظات التي تقف فيها حائرًا، أمامك خزانة مفتوحة تطل منها ألوان لقطع ملابس كثيرة لكن لا يُعجبك شيء، تحاول مع تلك القطعة فلا تناسبك، ومع تلك فلا تأخذ قلبك، ومع الأخرى إلا أن شيئًا ما لا تعرفه سوف يكمل طلتك، ربما هي وفرة الخيارات؛ الوفرة التي انعدمت معها القيمة، قيمة أن تشعر بالمعنى تجاه شيء بعينه فصرت تنتقل بين الأشياء كمن يستبدل بطارية مصباح بأخرى جديدة طوال الوقت.

أحب «التخفف» وأشعر دائمًا تجاهه بالامتنان لأن حياتي أصبحت حقًا أخف، فلا كثرة في أي شيء، إنما قلة تملأ القلب في أي شيء، من الأصدقاء إلى الملابس، أشتري الأشياء التي أعرفُ أني أريدها، ولا أُقصر قرار شرائي على التفكير المبني على الشعور اللحظي إنما الحاجة، لم أزر في المكان الذي أنمو فيه منذ وقت بعيد مراكز تجارية كبيرة إنما محال صغيرة ألبي فيها حاجتي، وفي كل مرة أذهب إلى التسوق تكون لدي قائمة بالأشياء التي تنقصني.

تخفف من كل شيء يُربك، أو يُشعرك أنك عالق في دوامة الحياة والمهام الثقيلة التي لا تنتهي. التخفف لا يكون دائمًا بترك علاقةٍ أو وظيفةٍ أو التجرد من مسؤولية، إنما بأخذ نفسٍ تُبصر فيه الحياة بعيدًا عما يُثقل القلب، تتدبر وتتفكر في المعنى الذي خُلقت لأجله، ثم تشق طريقك بصورةٍ أفضل، وأفق أوسع، وهكذا نزدهر.

ملابسنا وثقتنا بأنفسنا

 لون ملابسنا وملاءمتها وأسلوبها يمكن أن يؤثر بشكلٍ مباشرٍ على مستويات ثقتنا بأنفسنا وفق مجلة علم النفس التجريبي (Journal of Experimental Psychology) التي تقول في إحدى دراساتها إن «أكثر من %96  من الأشخاص عبروا عن تغيرٍ في حالتهم العاطفية بعد أن غيروا أسلوب ارتداء ملابسهم».

ولتأكيد تلك الحقيقة أجرت نفس المجلة دراسةً سلموا فيها مجموعةً من الأطباء معطفَ مختبرٍ أبيض وطُلب منهم إجراء سلسلة من الاختبارات بينما طُلب من مجموعة أخرى من الأطباء أداء نفس المهام دون معطف المختبر الأبيض، فكان أداء المجموعة التي ارتدت معطف المختبر الأبيض دقيقًا دون أي خطأ، بينما المجموعة التي ارتدت ملابس غير رسمية خرجت بالمزيد من الأخطاء، وتكررت الدراسة على مجموعات أخرى من الناس، وفي كل مرة تأتي نفس النتيجة.

ملابسنا في مقابلات العمل

 مهما كان لديك خبرة في تخطي مقابلات العمل بنجاح إلا أن ملابسك تترك انطباعًا أوليًا عما تعنيه أنت، فكما أن المرء الذي يجيب باستفاضة دون نقطة ينتهي عندها في مقابلة العمل عن سؤال «مين أنت؟» حتمًا سيترك انطباعًا أنه سيجلب المتاعب لمكان العمل، الأمر نفسه مع الملابس التي ترتديها دون انسجام مع الدور الوظيفي أو بيئة العمل الذي ستنتقل إليها.

ولخلق الانسجام أجدها فكرة مناسبة قبل المقابلة أن يذهب المرء إلى الموقع الإلكتروني أو حسابات مكان العمل على «السوشال ميديا» ويتصفح ألبوم الصور الذي حتمًا سيجد فيه بعضًا من صور الموظفين وهم منغمسين بأعمالهم، فما يرتدونه يعبّر عن انتمائهم للمكان وكذلك انسجامهم، وهذا سيعطيك لمحة عما سترتديه، فقد يكون المكان رسميًا أو مكانًا يُحفز على الابتكار والخروج عن الرسمية ولكن ليس بالضرورة أن تشبههم للغاية، فربما يكون لديك هوية ملابس مُحببة ولا تخرج عن سياق المقابلة المتوقع.

1
0
اشتراك
تنبيه
guest

0 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

حُرة مثل فراشة
1 كانون الأول

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 5 دقائق
فِلتر هذا العصر
10 أيلول

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 5 دقائق
صديقي الإنسان، لا تنتف ريشك!
12 كانون الثاني

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 3 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً