في مستودع النفس تتجاور شقيقتان كل منهما لها طباعها وطريقتها التي تسلكها، لا يتشابهون إلا في قصر القامة فالصغرى “لا” أقصر من شقيقتها “نعم” بحرف واحد، إلا أن المسافة الفاصلة بين عالميهما شاسعة جداً عوالم مختلفة سنحاول أن نستعرضها.
الكبرى “نعم” مهذبة تراعي مشاعر الآخرين وتؤثر على نفسها ودائما ما تضحي وتدفع الغالي والنفيس ليتحقق مراد الناس ويبتهجوا على حسابها، على الرغم من ما يلحق بها من تقريع في كثير من الأحيان ونكران في أحيان أخرى. إلا أن نبالة وسمو “نعم” تسمح لها بأن تدمدم على جراحها وتتجاوز الألم وتمضي كالكرمة التي تعطي ثمارها لمن يضربها بعصاه. بينما في المقابل أختها الشقيقة “لا” صادقة وصارمة تعبر دائماً عن نفسها وواضحة تحترم مشاعر الآخرين ولكنها ترفض أن تسمح بمرور أي شي بدون أن يروق لها أو يتماشى مع معاييرها الصارمة، تعيش “لا” براحة وتمشي بزهو الواثق من نفسه، لا تعاني مثل أختها من مشاق فوق طاقتها أو إثار زائد عن اللزوم، دائما ما تكون سريعة في إجابتها مما جعل الآخرين يحسبون ألف حساب كلمتها، وهذا زادها تألق ودفع بالكثيرين لطلب ودها والتقرب منها لعلها تتقمص شخصية أختها عندما يطرقون بابها طلباً لحاجاتهم.
البون الشاسع بين الأختين ربما يعود للتربية، فقد تربت الكبرى “نعم” عندما كانت وحيدة أهلها على أسلوب قديم في التربية يقوم على أن يكبح الإنسان رغباته ويضحي ليرضي الآخرين حتى لو كان ذلك على حساب نفسه. إلا أن هذا الأسلوب أثبت فيما بعد أنه ألحق ضررا على “نعم” وأوقعها في حالة لا تنقطع من محاولة إرضاء الآخرين، وكأنها تحاول أن تحتفظ بالماء بين راحتي كفها لأطول مدى على الرغم من علمها بأن الماء سيتسرب لامحالة. وهذا دفع أهلها فيما بعد عندما رزقوا بنتهم الصغرى “لا” بأن يتداركوا أخطاء الماضي ويربوها على أن تصدح برأيها وترفض ما لا يلائمها وما لا ينطبق على معاييرها وأن لا تتردد في إجابتها وهذا انعكس إيجاباً على الحالة النفسية ل “لا”.
لاتخلو نفس أي منا من هذه الأخوات “نعم” و “لا” فكثيراً ما نطقنا بنعم في الوقت الذي من المفترض أن نقول لا. وكأن المسألة صراع أيهما تصرع الآخرى. وفي بعض الأحيان تكون مغبة “نعم” فادحة ووقعها قاسي؛ تجبرنا على اجترار الماضي والتمني بأننا اخترنا “لا”.