جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

في مد الجسور مع مشاعر الذنب
20 نيسان
النفس والعاطفة

في مد الجسور مع مشاعر الذنب

20 نيسان

|

النفس والعاطفة
بدعم من

تتأخر في تسليم عملك، أو لا تتمكن من الرد على مكالمة جدتك، تنفعل بدون قصد على نادل المقهى، أو تفشل في تحقيق هدف، أو لا تتمكن الوفاء بوعد أو الالتزام بموعد، هذه مواقف قد تحدث لنا جميعًا مهما بلغ حرصنا على التحلي بالتهذيب والانضباط، لكنها تتحول لدى بعضنا لوحشٍ قد يتغول علينا ويلتهم سلامنا النفسي وعافيتنا الروحية، ويبقى صوته يتردد في دواخلنا، وهو يُكرر عبارات مطلعها: كان ممكن، كان بالإمكان، كان ينبغي، كان لا بد. هذا الوحش اسمه الشعور بالذنب.

تعرف على الذنب قبل أن تسجن نفسك فيه

الشعور بالذنب هو إحساس بوخزٍ روحي نتيجة تصرف أو سلوك نعرف على اليقين أنه غير مقبول، وقد وُصف الشعور بالذنب أكاديميًا بأنه “عاطفة واعية بذاتها، تنطوي على التفكير في الذات”؛ فعندما يتسبب شخص ما في إيذاء شخص آخر، فإن الشعور بالذنب هو استجابة عاطفية طبيعية لهذا الموقف، ويركز الشعور بالذنب أولًا على الذات، بجلدها واستنكار فعلها ودفعها للاعتذار لينتهي صراعها الداخلي؛ ولهذا السبب يُعرّف الذنب على أنه يُركز على الذات أولًا.

ويمكن للبشر الانتقال من الشعور الطبيعي بالذنب إلى الشعور المفرط به إن لم ينتبهوا؛ فالإفراط في الشعور بالذنب قد يثقل كاهل أولئك الذين يعانون منه بلا داع، وقد يجعلهم حتى عُرضة للابتزاز العاطفي، الذي قد يُغرقهم في المزيد من السلوكيات المرفوضة، التي تُبقيهم في دوامة مشاعر الذنب.

 ويبدو أنه لدينا كبشر سهولة في إشعار أنفسنا بالذنب لأبسط الأسباب، ففي دراسة أُجريت في عام 2022، قدم 604 من البالغين الألمان ممن شملتهم الدراسة حوالي 1515 سببًا مختلفًا للشعور بالذنب، كما تلعب التنشئة أيضًا دورًا مهمًا في مدى قابليتنا للشعور بالذنب المُفرط؛ يقول مايكل لويس، عالم النفس التنموي في بحثه حول العواطف في مرحلة الطفولة: “إن الشعور بالذنب يأتي من الطبيعة والتنشئة…. يتعلق الأمر بالمعايير التي يتوقع والديك أن تقابلها عندما كنت طفلاً، وكيف يستجيبون بعد ذلك لفقدك علاماتك الدراسية… إذا شجعوك على تحمل مسؤولية إخفاقاتك، فأنت بهذا قد مُنحت فرصة للتعلم من التجربة والتحسن”. ولهذا، فالانتباه للروح وعدم القسوة عليها، نوع آخر من إصلاح الخطأ.

ليست روحك وحدها من تتأثر، جسدك أيضًا

مشاعر الذنب ليست مجرد شعور داخلي، بل هي لغة تتحدث بها روحك وينطق بها أيضًا جسدك.

فالإنسان معروف بأنه كائن عاطفي، وإن تأثرت عاطفته تأثر معها جسده، فنحن في مواقف الشعور بالذنب، وبجانب وخز الضمير، نحن غالبًا ما نشعر  بتوتر العضلات، وبالتعب والأرق، و لا يخلو الأمر من البكاء، ومن متاعب الجهاز الهضمي أيضًا.

فهناك في مخ الإنسان جزء صغير يُطلق عليه ما تحت المهاد = Hypothalamus، وهذا الجزء يربط الجهاز العصبي الذاتي بالجهاز الإفرازي، وفي حالة الشعور بالذنب، يقوم ما تحت المهاد بضبط المشاعر السلبية ثم إرسال إشارات إلى الألياف الودية في الجهاز العصبي اللاإرادي، فتُقمع قدرات الجهاز الهضمي؛ إذ تحد الإشارات المثبطة المُرسلة من الجهاز العصبي من كفاءة حرق السعرات الحرارية عن طريق زيادة الأنسولين واختلال توازن الكورتيزول، وهكذا يتأثر هضمك، وتشعر بفراشات أو ثقل في معدتك، أو حتى رغبة في التقيؤ.

والمثير في الأمر أن هذه الأعراض ليست اللغة الوحيدة التي تقول فيها بجسدك أنك مُذنب، ففي دراسة أُجريت عام 2020، جاء أيضًا أن العبوس ولمس الرقبة قد يرتبطان بأنماط غير لفظية من الشعور بالذنب، يُمارسها المُذنب بدون قصد، لكنها تُعبر عن مشاعره بالذنب، وتفضح تأنيبه الداخلي.

مشاعر الذنب ليست عدوك، لو قررت أنها رحلة 

عندما يبدأ ضميرك في تأنيبك على كلمة جارحة ألقيتها في لحظة غضب، عليك أولًا أن تكون ممتنًا لامتلاكك وعي ومحاسبة ذاتية سليمة، تُنبهك لأخطاءك وتؤنبك على عدم تحقيقك للمعايير السلوكية التي وضعتها لنفسك، وأنك خالفت صورتك الذهنية عن نفسك وتصرفت عكسها، وأن محاسبتك الذاتية تلك تستمر في تقريعك حتى تتخذ إجراءًا بالاعتذار وتلطيف الموقف، والتراجع عن الأذى ومحاولة الإصلاح.

في مقالة عن مشاعر الذنب في نيويورك تايمز، تقول جون تانجني، أستاذة علم النفس بجامعة جورج ماسون ومؤلفة كتاب “العار والشعور بالذنب“، إن “الشعور بالذنب هو عاطفة أخلاقية…. إن الاعتراف بالذنب يمكن أن يكون صحيًا لعلاقاتك. إن شعورك بالذنب تجاه سلوكك يجعلك أكثر تركيزًا على الشخص الذي أذيته، ويوجهك نحو كيفية القيام بعمل أفضل في المستقبل”.

يمكن للشعور بالذنب أن يكون دافعًا جيدًا يُحفزك على القيام بما هو أفضل؛ القيام بعملك على أكمل وجه كي لا تشعر بالذنب  أمام تساؤلاتك عن قيمتك الحقيقية وأحقيتك براتبك أو عند إخفاقك، وأن يدفعك للالتزام بالسلوك المهذب في أصعب المواقف كي لا تشعر بالذنب أمام كلمة جارحة هربت منك عندما استهنت بالآخر،  أو يجعلك منضبطًا في مواعيدك كي لا تتخلف عن اجتماعات العائلة، أو يخلق فيك شخصًا مُراعيًا للغير يشعر بالآخرين ويُقدر آلامهم. 

الشعور بالذنب يُساعدنا على الاعتراف بأخطائنا، والوفاء بالتزاماتنا تجاه أنفسنا أولًا وتجاه الآخرين، ويدفعنا برفق وبمنتهى المودة تجاه الاعتذار عن الخطأ؛ الذنب قد يوجهك إلى الصواب لو أنك أحسنت فهمه وصحبته، ولذلك هو ليس عدوك، بل هو صوت نفسك الحقيقية وفطرتك النقية، التي تطلبك بالعودة لطبيعتك السوية، خلق الله النفس اللوامة ومشاعر الذنب لتكون بطاقة رحلتك تجاه ذاتك، وليس لمعاقبتك بها، وغفرانك لنفسك يعني أنك تتسع للآخرين ويمكنك أن تغفر لهم، فلا تُغرق نفسك بمشاعر الذنب، بل أجعلها قارب نجاتك.

اعترف بخطئك، واعتذر عنه، وحاول إصلاح ما يمكن، واغفر لنفسك، وتعلم من الموقف؛ هكذا يُنجيك ذنبك.

7
0
اشتراك
تنبيه
guest

0 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

قصصنا حصوننا
8 كانون الأول

|

الأدب والفلسفة
وقت القراءة: 7 دقائق
السلطة الحميدة
30 أيار

|

الأدب والفلسفة
وقت القراءة: 7 دقائق
بين العقل والمشاعر
21 كانون الثاني

|

النفس والعاطفة
وقت القراءة: 4 دقائق

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً