إحدى الأفكار التي يتداولها المجتمع بشكل مكثف في الآونة الأخيرة، وكنت من ضمن من آمن بها، هي فكرة تقدير الذات ورفع الاستحقاق.
الفكرة قائمة على أن يدرك الفرد قيمته ويعمل على تعزيز حبه لنفسه حتى يتسنى له تصحيح علاقاته ورفع جودة مستواه المعيشي. تلك الفكرة في ظاهرها النبيل وجوهرها القيم تحورت لدى البعض لتصبح نمطًا فكريًا عقيمًا يؤمن بالأخذ والاستحقاق فقط ويعلق صاحبه بالنتائج المرجوة دون وضع أي اعتبار لما تتطلبه تلك النتائج من مجهود مقابل تحصيلها. فبعد أن كان يعاني بعض الأفراد من تدني تقدير الذات، تحولت المعاناة الآن إلى تضخيم ذلك التقدير ليصبح هاجسًا مدمرًا لعلاقاتهم وحياتهم. فقد أصبح البعض يبالغ في تقديره لنفسه إلى حد يجعله لا يرى جدوى من أي علاقة ما لم تصب بالكامل في صالحه. لم يعد هناك مجال للتنازل عن أي رغبة أو رأي، بزعم أن هذا التنازل سينقص من استحقاقه، وفي المقابل يرى أن على الطرف الآخر في العلاقة التنازل من أجله وأن يغير آرائه في سبيل رضاه، مما يجعل المعادلة متناقضة تمامًا.
قد يكون أكثر ما يعزز تكوّن هذه الفكرة السامة هو خطابات الاستحقاق المتداولة بين الناس على منصات التواصل الاجتماعي، القائمة على التحفيز دون التوجيه، مثل "أنت تستحق الحب"، "أنت تستحق النجاح والتطور"، "اجعل نفسك أولوية". هذه الخطابات المبتورة تنمّي في الشخص حب الذات بطريقة سامة تجعله يظن بأنه يستحق أي شيء لمجرد أنه يرغب به، دون الالتفات لما يتطلبه ذلك الأمر من مجهود جسدي أو نفسي في سبيل تحصيله، ناهيك عن تغذية "الأنا" التي ستجعله يهمل من حوله ويدفع حاجتهم له جانبًا.
أعتقد أن الاستحقاق الحقيقي هو ناتج لمعادلة أساسها البذل والعطاء. نعم، أنت تستحق الحب والخير إذا كانت هذه معطياتك في الحياة. تستحق النجاح والتطور عندما تسعى جاهدًا لتحصيلهما، وتستحق العلاقات الصحية في حال تقبلت الطرف الآخر فيها وقدمت التنازلات المعقولة في سبيل إنجاحها. العلاقات الصحية وحب الذات لا يأتيان عبر ترديد عبارات جوفاء تخلق استحقاقًا وهميًا، بل ببذل مجهود حقيقي تجاه أنفسنا، في أن نعترف بنقصنا قبل كمالنا، ونتقبل الآخرين كما نطالبهم بتقبلنا.
لم نُخلق محورًا لهذا الكون، ولسنا جوائز أو جمادات ذات قيمة لنستحق أو ليستحقنا الآخرون. نحن كائنات اجتماعية، حياتنا قائمة على وجود أشخاص عديدين نتبادل معهم الأفكار والمشاعر، نؤثر ونتأثر بهم. من الضروري أن نعيد النظر في مفهوم الاستحقاق وتقدير الذات المتداول حاليًا بحيث لا يتحول إلى تقدير مفرط يدفعنا للعزلة والانفرادية ويعيق قدرتنا على النظر للحياة بواقعية.
شاركنا تعليقك من هُنا