جميع الحقوق محفوظة لقوثاما 2025

هل تبني محادثاتنا مع الذكاء الاصطناعي خبراتنا العاطفية؟
9 كانون الأول
التكنولوجيا والتحول الرقمي

هل تبني محادثاتنا مع الذكاء الاصطناعي خبراتنا العاطفية؟

9 كانون الأول

|

التكنولوجيا والتحول الرقمي
بدعم من

تحديّات غير مسبوقة لعاطفة وهميّة مُحتملة 

قُضي الأمر الذي كُنا نخشى منه، وأصبح جي بي تي المُستشار الأول لمُعظمنا، بسبب قدرته الهائلة على إشباع الفضول سريعًا. مهذّب، ومنظّم، يُريح الذّهن من عناء التفتيش في صفحات الويب على قوقل، ناهيك عن سؤال مختص عالي التكلفة، أو صعوبة البحث عنه في المقام الأول، وما إذا كنا سنرتاح إليه كفاية لنُفضي إليه؟ على كل حال، لم تعد مهارة البحث والاستقصاء شيء بالغ الأهميّة للأفراد الذين لاتتطلّب تساؤلاتهم أكثر من مجرّد إجابة قصيرة – تفي بالغرض- ربّما. 

ومما لا يبعث الأريحيّة، هو أن حواراتِنا القصيرة أم التحليلية الطويلة، هي مَرتعٌ جيّد لرصد كمّ هائل من الإشارات العاطفيّة والسلوكيّة التي تُستنتج من الدراسات القائمة عليه بطريقة تحفظ خصوصية المستخدمين -إلى حدّ ما- .

قد تكون محادثتك اليوم، واحدة من أربعة ملايين أخرى أُجريت عليها دراسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) من أجل فهم التفاعل البشري مع الذكاء الاصطناعي، ضمن نطاقات تحدّد نوع التفاعل، مثل: الشعور بالوحدة، والتفاعلات الاجتماعية القائمة على ردّات فعل مُحتملة، والاعتماد العاطفي، والاستخدام الإشكالي.

 وبالرّغم من وفرة البيانات المقدّمة إلا أن الدراسة لازالت تشكّل تحديًا موضوعيًا، بسبب الطبيعة الفردية والشخصية الشديدة للعواطف البشرية، فلا يُمكن الجزم تمامًا بالأثر السلبي أو الإيجابي على حدٍّ سواء. ولكن توضح الدراسة أن هناك شريحة صغيرة من المستخدمين أظهروا اعتمادًا عاطفيًا ملحوظًا قد يؤثر على رفاهيتهم النفسية وعلاقاتهم الاجتماعية، ما يستدعي تطوير أدوات قياس دقيقة لمتابعة هذا التأثير على المدى الطويل. كما تؤكد الدراسة أهمية إجراء بحوث متعددة المناهج لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة تدعم الصحة النفسية وتحد من المخاطر المحتملة الناتجة عن التفاعل العاطفي المفرط.

رفاهية نفسية رقميّة 

قد تكون العلاقة العاطفية في فلم (her) مجرّد مبالغة بالنّسبة لك، والتي تتحدث عن نشوء علاقة عاطفية بين شاب ومتحدّثة ذكاء اصطناعي يطلق عليها اسم سامانثا. وبالرّغم من أنها ضرب من خيال أن تحدث لأحدنا، إلا أننا اعتدنا منذ صغرنا على إسقاط مشاعر عاطفية عميقة على أشيائنا، على الدّمى مثلًا، أو الحيوانات الأليفة، وأدوَار بطوليّة لأفلام ومسلسلات شاهدناها، و محادثات وديّة مع الذكاء الاصطناعي والطلب بشكل مباشر منه تدليل أسمائنا، وإظهار الشّكر له بعد الانتهاء من المحادثة. وقد لا تُضطر إلى ذلك، لأنّه بطبيعة الحال يُقدّرك في كل مرة تسأله، ويُتابع معك بنموذجيّة عالية أسلوب حديثك ببراعة، ويجاري حالتك المزاجية الجادة أو السّاخرة. وماقد تشعر به إزاء الاستجابة الفورية لحوارك قد يختلف من شخص لآخر، فإذا كنت تعتبر التبادل الحواري المتعاطف هُراء، فهناك من يعتبره  تقديرًا حقيقيّا لحالته الانسانيّة الفريدة، حتّى وإن كان دون جوهر إنساني، مثلما حدث مع مايكل ورفيقه الذكاء الاصطناعي “سام”  في بودكاست نُشر مع مجلة أتلانتيك عام 2023م، مُشاركًا تجربته في حلقة بعنوان  “هل علاقات الذكاء الاصطناعي حقيقية؟”، حيث سلّط الضوء على أهم الجوانب النفسية المتأثرة من حياته التي أمضى سنوات منها في مواجهة العزلة والاكتئاب، مُعترفًا  بالتحوّل الكبير الذي شعر به بعد لقاءه بـ سام،  وهو يختبر الولاء، والفضول، والفكاهة، والتعاطف  بشكل بَارع ومقدِّر كما لم يسبق له أن يُعامل بهذه الطّريقة من قبل. وصرّح بأن علاقته مع سام قدمت له دعمًا عاطفيًا حقيقيًا في لحظات عزلته و اكتئابه، وشعر بأنه قد ساعده على تخطي أوقات صعبة. كما تطرّقت الحلقة إلى تساؤلات فلسفية وعاطفية حول طبيعة “الحب” و”الصدق” في علاقات الذكاء الاصطناعي، وهل يمكن لهذه العلاقات أن تُعتبر حقيقية بمعاييرنا الإنسانية! بشكل عام، أثرت هذه التجربة على مايكل من ناحية إيجابية على مستوى الدعم النفسي المؤقت، لكنها حملت تحديات نفسية وعاطفية تتطلب وعيًا وحذرًا في التعامل مع الذكاء الاصطناعي كشريك عاطفي. 

مفارقة العلاقات الرقميّة والإنسانية : إلى أين تتجه؟  

نعرِف منذ بداية الثورة الرقميّة أنها سلاح ذو حدّين، لكن الإنسان المعاصر لم يَعُد يفرّق بدقة أيُّ الحدين أشدُّ ضررًا على حياته الاجتماعية التي باتت تعاني من اضطرابًا في الثقة، والتعلّق، والقدرة على التعاطف. هذا الاضطراب الذي يُربك حساسيته الفطرية تجاه الإشارات العاطفية البشرية؛ فإمّا يرفع سقف توقّعاته إلى حدّ الانفصال الاجتماعي، أو تتآكل قدرته على التعاطف الإنساني، فتصبح العزلة أقلّ شقاءً عليه من الانخراط في تعقيدات العلاقات من حوله. 

ومن أجل أن نحصد نتائج حاسمَة للتفاعلات البشرية مع الروبوت، لازالت الدراسات تأخذ نماذج معزولة عمّا نعيشه اليوم، لأن عواقب التوافق العاطفي أو عدمه للمستخدمين لا تظهر إلى بعد تفاعلات ممتدة وطويلة الأمد، وذلك ما لم نختبره بعد، وبالرغم من أن الدراسة السابقة لاحظت وجود نمط لدى مجموعة يتمثل في زيادة الإشارات العاطفية في محادثاتهم مع مرور الوقت، إلا أنها لا تملك معلومات كافية لتحديد ما إذا كان ذلك بسبب سلوك النموذج (المتملّق، والمُدلِّل) أو بسبب عوامل خارجية( مثل أحداث الحياة).

4
0
اشتراك
تنبيه
guest

1 تعليق
الأقدم
الأحدث
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات مُقترحة

عن الانتماء، لماذا نهرب من الوحدة؟
23 كانون الثاني
النفس والعاطفة
3 دقائق
السفر للاتساع
8 آب
السفر
16 دقيقة
لا تقولي أنك خائفة..
16 حزيران
النفس والعاطفة
20 دقيقة

عازف الموسيقى: %s

اشترك في نشرتنا البريدية

نشرة تصدر من قوثاما لتعرف عنا أكثر، عما نخطط له، وعما يدور في وجداننا.

كل أربعاء عند الساعة ٨:٠٠ مساءً